الحوار الوطني المرتقب بين اليمنيين بمختلف اتجاهاتهم السياسية والفكرية هو دأب حضاري للاستمرار في معالجة مختلف الإشكاليات الوطنية بمنتهى الحكمة في واقع تتشظى فيه يوما بعد آخر تطلعات البعض في الاتجاه اللا وطني، والانحصار في دوائر فكرية ضيقة انتقاما من الماضي وسلبياته، وتطلعا إلى المستقبل وآفاقه. مستفيدين من الحاضر الذي أتاح الكثير من الفرص لأكثر من مشروع ضيق بأن يتنفس في أوضاع غير طبيعية. بمعنى أن المشاريع السياسية والفكرية التي هي خارج تجربة الإجماع الوطني لم تنبت من رحم الأرض اليمنية ومبادئها التاريخية وحاجاتها الطبيعية. وإنما هي نتاج ممارسات فردية وسياسية واجتماعية أساءت في فترة من الفترات إلى بعض الكيانات الجغرافية والفكرية وسدت عليها منافذ الضوء والاختيارات العقلانية. لتجد نفسها تمضي في اتجاهات الإنغلاق في مقابل وجود قوى سياسية وفكرية عانت على مدى عقود، وهي تمثل كل الجغرافيا اليمنية ومع ذلك ما زالت تناضل بعقل مفتوح من أجل كل اليمن، وتنتظر مستقبلا يتسع للجميع. إذا نحن على أعتاب حوار وطني ينبغي ألا يكون بوابة للاعتراف بشرعية حركات التفتيت على الدولة الوطنية وينتهي الأمر بالفشل عند الدخول في التفاصيل التي قد لا تنسجم وتركيبة الدولة البسيطة في اليمن. والقضية برمتها هي بناء دولة وطنية تقوم على النهج الديمقراطي، والتعدد السياسي والحزبي والمواطنة المتساوية لأننا لم نجرب مثل هذه الدولة في السابق كي نحكم بالموت على أي مخرج وطني يمكن أن يتمخض عنه الحوار. إن إشكالية الحوار المقبل في اليمن تتمثل في أن لا تكون تفاصيله نابعة من الحاجات الطبيعية لليمنيين. وإنما إسقاطا لرؤى وأفكار غير متسقة مع الوجدان الشعبي وتلبية لمشاريع عبثية هي خارج الضرورة الوطنية.