عادت طهران مجددا إلى أسلوب المناورات العسكرية قرب مضيق هرمز، في إطار التهديدات المعتادة على المنطقة، في الوقت الذي تجتمع فيها مجوعة الدول ( 5+1) في تركيا حول الملف النووي الإيراني. يأتي ذلك فيما فرضت الدول الأوروبية حظرا على النفط الإيراني، الأمر الذي أوقع خسائر حقيقية على الاقتصاد الإيراني، وسط هذه الأحداث تمر منطقة الشرق الأوسط بصيف إقليمي ساخن، بسبب تصاعد الأحداث السياسية المقلقة. إيران .. صيف إقليمي ساخن تدل كل المؤشرات على أن المنطقة العربية، و معها العالم على وشك الدخول في صيف سياسي شديد الحرارة، ففد تكدست جملة قضايا بعضها جاءت به أحداث «الربيع العربي» و البعض الآخر مؤجل، ما زالت إفرازاته تعتمل منذ سنين و قد باتت تحتاج جميعا إلى حسم. فالملف النووي الإيراني ينحو كما يبدو باتجاه التصعيد بعد أن فشلت جولات إسطنبول و بغداد و موسكو الثلاث الأخيرة في تحقيق أي اختراق. أما المسألة السورية فقد أضحت هي الأخرى أكثر تعقيدا بعد أن فشلت خطة عنان و معها فريق المراقبين الدوليين في تحقيق أي تقدم حقيقي على الأرض، خاصة لجهة وقف إراقة الدماء. لبنان بمختلف فرقائه و تياراته ينتظر و يترقب على وقع اهتزازات أزمة «الشقيقة الكبرى» و قد بدأت تنتقل إليه بالعدوى. أما مصر فهي مازالت تتلمس طريقها نحو حياة سياسية مستقرة، و هو أمر أصبح كما يبدو أقل احتمالا مع تنامي حالة الاستقطاب في المجتمع، واحتدام الجدل الدائر حول نتائج الانتخابات الرئاسية. في اليمن، و رغم نجاح المبادرة الخليجية في تبريد حدة المواجهة السياسية، إلا أن الوضع مازال هشا و قد ينفجر في أي لحظة بفعل قوى داخلية تضررت من عملية انتقال السلطة، أو قوى خارجية لا تروقها التسوية التي فوتت عليها حصد مكاسب جيو سياسية كانت تتوقع بلوغها إذا طالت الأزمة وحصلت الفوضى. العراق هو الآخر يعيش على إيقاع عودة العنف الناتج بالدرجة الأولى عن قيام رئيس الوزراء نوري المالكي باحتكار السلطة، وإعلان الحرب على شركائه في العملية السياسية. في تونس و ليبيا يجري صراع مكشوف لتحديد الأحجام و توزيع الغنائم بين القوى التي ساهمت في إسقاط نظامي البلدين. السودان يبدو هو الآخر على موعد مع حالة من الاضطراب الداخلي بعد أن أرهقته الصراعات الأهلية و التي توجت بعملية تقسيمه. هذا الوضع الإقليمي المتوهج يتغذى على وضع إقليمي و دولي لا يقل اضطرابا، فروسيا التي وجدت نفسها الخاسر الأكبر في كل ما جرى و يجري في الشرق الأوسط تحاول أن تستغل الوضع الإقليمي المتفجر للحصول على أفضل ثمن ممكن قبل أن تنسحب نهائيا من المنطقة، و هي إذ ترى خطوطها الدفاعية الأخيرة تنهار تحاول الاستفادة من النافذة الزمنية الممتدة حتى الانتخابات الأمريكية لفرض ما يتسنى لها من شروط تحسن بها مواقعها التفاوضية قبل أن تنجلي نتائج الصراع الدائر في المنطقة. بالمثل، تسعى الصين التي تخشى من عملية احتواء أمريكية مماثلة لما حصل للاتحاد السوفييتي السابق إلى إشغال الغرب في منطقة الشرق الأوسط على أمل كسب مزيد من الوقت عسى أن تتغير المعادلات لمصلحتها. أما أوروبا المتعثرة بأزمتها المالية و المثقلة بديونها المصرفية فهي تحاول من جهتها تأمين بعض من مصالحها الكبيرة في المنطقة على وقع حال الاهتزاز و عدم اليقين حول مستقبل اتحادها. باختصار، يبدو أننا بالفعل أمام مرحلة قد تكون الأكثر سخونة في فترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة مع تراكم هذا الكم من الملفات الإقليمية والدولية التي يسعى كل طرف إلى حسمها لمصلحته في إطار صراع إرادات لا يحتمل إلا غالبا أو مغلوبا.