شهدت مصر يوم الأحد 24 يونيو / حزيران الجاري حدثا تاريخيا ومفصليا، سيقرر إلى حد كبير مستقبل مصر (كيانا ومجتمعاً). فعلى وقع هدير وهتافات مئات الآلاف من المصريين من مختلف المشارب والاتجاهات السياسية، وبالأخص القوى الشبابية والثورية، المحتشدين في ميدان التحرير بالقاهرة والميادين الأخرى في المدن المصرية، احتجاجا على الإجراءات الأخيرة، وفي الوقت نفسه كان التحفز والقلق باديا على الجميع لمعرفة نتيجة الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة في مصر، خصوصا في ظل الإجراءات الأمنية غير المسبوقة التي لم تشهدها مصر، حتى في ذروة ثورة 25 يناير، وفي المقابل كانت الأعصاب مشدودة ومتوترة لدى أنصار المرشح الآخر الفريق أحمد شفيق. وفي لحظة تاريخية فارقة في حياة مصر، أعلن رئيس لجنة الانتخابات الرئاسية المستشار فاروق سلطان عصر ذلك اليوم فوز رئيس حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي رئيسا لمصر في جولة الإعادة على منافسه الفريق أحمد شفيق. الأسئلة التي تطرح نفسها هنا: ماذا بعد هذا الفوز، وهل نحن بصدد تأسيس الجمهورية المصرية الثانية، وانتهاء الجمهورية الأولى التي دشنتها ثورة أو انقلاب 1952 الذي قاده الجيش؟، لا شك في أن فوز الدكتور محمد مرسي لا يعتبر إنجازا خاصا للإخوان المسلمين بإقرارهم، إذ بدون دعم القوى الوطنية والثورية له في جولة الإعادة لما استطاع الفوز، حيث نشير هنا إلى حصوله على أكثر من 13 مليون صوت (51.7%) في حين حصل أحمد شفيق على أكثر من 12 مليون صوت (48.3%) وكان الفرق بينهما هو في حدود مليون صوت، وإذا عرفنا بأن كلا من حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح المحسوبين على القوى الثورية قد أحرزا معا قرابة 8 ملايين صوت أو 40% من الأصوات في الجولة الأولى، في حين حصل محمد مرسي على خمسة ملايين صوت أو 23 % فقط، وهذا يعني ببساطة بأن غالبية أصوات صباحي وأبو الفتوح قد جيرت لصالح محمد مرسي، ليس بالضرورة حبا في الإخوان المسلمين، وبرنامجهم الانتخابي (إذا كان لديهم برنامج)، وإنما منعا وقطعا للطريق أمام عودة رموز النظام السابق. وفي المقابل علينا استيعاب أن النسبة الكبيرة التي حصل عليها أحمد شفيق، ليس نتاج تأثير وقوة وحضور أركان النظام السابق (مع عدم الاستهانة بها) بين صفوف المجتمع في المقام الأول، وإنما أملته عوامل مختلفة، في مقدمتها القلق والخوف على مستقبل الدولة المدنية، في حال وصول الإسلاميين إلى الحكم. هناك استحقاقات ضخمة أمام الرئيس الجديد لمصر، تطال الاستقرار السياسي والأمني، وترسيخ الدولة المدنية، المستندة إلى دولة القانون والمؤسسات الدستورية، التي تكفل المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات بين جميع المصرين، وبما فيهم الأقباط والمرأة، وهناك قضايا التنمية الاقتصادية / الاجتماعية، وحل المشكلات المزمنة وفي مقدمتها البطالة والفقر والفساد والتضخم والمديونية الخارجية والعجز في الميزانية، وتلك القضايا المعقدة والصعبة ليس بمقدور جهة أو قوة بعينها أو بمفردها مهما بلغ وزنها وقوتها من التصدي لها بفاعلية ونجاح. كل الخيرين (وغير الخيرين أيضا) مهتمون (لأسباب مختلفة) بما يجري في مصر الكنانة، بما تمثله من حضارة عريقة، وثقل استراتيجي ودور محوري في العالم العربي وفي عموم المنطقة، وقبل كل شيء مكانة مصر الخاصة، راسخة في وجدان الشعوب العربية التي تعتبر نجاح تجربتها الجديدة نجاحا لها والعكس صحيح. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 147 مسافة ثم الرسالة