رصدنا في ثلاث حلقات سابقة معاناة عدد من يتيمات قرية أطفال طيبة مع الإدارة، واستعرضنا على ألسنتهن بعضا من أوجه الخلل في التعامل معهن من قبل بعض الإداريات والمشرفات، ولم نكتف بهذا الرصد، بل نقلناه بكل واقعية للمشرفات على القرية. وذهبنا إلى أبعد من ذلك من خلال التواصل مع المسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية الذين وجدنا منهم كل تجاوب يهدف إلى أمرين : إيضاح الحقيقة، والحرص على معالجة أوجه القصور مراعاة لظروف اليتيمات. في حلقة اليوم تحدثت ل«عكاظ» القيادية السابقة في قرية أطفال طيبة (ص، و) التي أوضحت أن الفتيات مراهقات وأنهن بحاجة لمن يتفهم وضعهن النفسي، ويتلمس احتياجاتهن لخلق انسجام بينهن وبين الكادر الإشرافي الجديد الذي يعتبر أمرا مستجدا أو طارئا عليهن، وأضافت «ليس من السهل عليهن نسيان سنوات مضت تعودن فيها على كادر إشرافي استطاع أن يكيفهن وفق طريقة تعامل أدخلت البهجة والسرور في نفوسهن، وفجأة يتم إجبارهن على التأقلم السريع مع كادر جديد تنقصه الخبرة في التعامل لجأ إلى أسلوب الإجبار وفرض سياسة الأمر الواقع وإلا فالعقاب بلا رحمة أو شفقة والتهديد بالشرطة والحرمان من المصروف ينتظرهن». وزادت القيادية السابقة «أي إدارة تلك التي تفرض عقوبة على يتيمة لأنها ذهبت إلى شقة أخواتها». وقالت: ليس بهذه الطريقة تأتي السلطة، أو تحل المشاكل، فإذا لم تعي الإدارة مسؤوليتها تجاه اليتيمات وتقدر ظروفهن وتتعامل من منطلق إنساني ستستمر المعاناة وتتوالى الأزمات. وطالبت بأن يتم توظيف أمهات قادرات على احتواء اليتيمات وحل مشاكلهن بالطرق المثلى ومن خلال توفير أهم المتطلبات التي تجعل من القرية ملاذا وبيتا آمنا لكل يتيم ويتيمة. وأشارت إلى أن ما يحدث في القرية لا يرضى به عاقل أو صاحب قلب رحيم لأن التهم التي ألصقت بالفتيات تخلق لديهن ردة فعل عكسية، الأمر لذي يتطلب تدخلا سريعا يضمن معالجة إنسانية واقعية تعيد المياه إلى مجاريها لتهنأ القرية بالحب والوئام بعد موجة المشاكل التي عاشتها خلال الأيام الماضية. وقالت (ص، و) بنبرة حزن: وضع من يتم تغريبهن محزن للغاية، ويجب أن لا نلوم الفتيات الأخريات على الحنين لهن من خلال الكتابة على الأطلال وفي المكان الذي جمعهن لسنوات تبادلن فيه التعاسة والسعادة. من جهة أخرى قالت اليتيمة ( س،أ)، أنه مورس ضدهن كل أنواع الاستفزاز من قيادية في القرية وصل بها الأمر إلى استبعاد موظفة تبادلهن الاحترام وتعاملهن بود. وأضافت أنه في كل مرة تتحدث القيادية معهن وتؤكد أنها من أبعدت الموظفة كنوع من العقاب، فانفلتت أعصاب اليتيمات بسبب كثرة استفزازاتها غير المبررة وتشاجرن معها فاتهمتهن بالاعتداء عليها، وكانت النتيجة سجن بعض الفتيات وبعد شهرين صدر قرار بنقل سبع فتيات إلى أبها وتسع إلى مكةالمكرمة، إلا أنهن عدن إلى القرية بعد سجنهن لمدة شهرين، ليتم بعد ذلك نقل خمس فتيات إلى الرياضوجدة، فسجلنا اعتراضنا على نقلهن ووعدنا من قبل إدارة القرية بذلك شريطة الالتزام بالهدوء والابتعاد عن المشاكل. من جانبها قالت ل«عكاظ» الأخصائية الاجتماعية دلال العتيق المسؤولة عن الفتيات المنقولات من المدينةالمنورة والمستقرات حالياً في دار الضيافة في الرياض، «العقاب انتهى والإجراء اتخذ، ولا فائدة من مناقشة إن كان القرار صائبا أم عكس ذلك». وأضافت أن اليتيمات في وضع جيد قياسا بالمرحلة السابقة التي لم تكن تخضع لسلطة ضابطة على تصرفاتهن وسلوكياتهن ودراستهن. وأوضحت بأنهن كن سلبيات في بادئ الأمر وهذا أمر طبيعي بسبب تغير المكان والنظام، إلا أنهن تغيرن جذريا وأصبحن رائعات يحترمن الإدارة، وينسجمن من أخواتهن ويتعاملن مع الأخصائيات بأريحية. وأفادت العتيق، أن سبب انتقال اليتيمات إلى إيجابيات جاء نتيجة وعد بعودتهن إلى المدينةالمنورة إن هن التزمن بالأنظمة وابتعدن عن إثارة الفوضى، خاصة وأنهن في شوق دائم للمدينة المنورة ولزميلاتهن في القرية، وقد رفعنا تقارير لإدارة القرية عن تحسن أحوالهن ولكن لم يأتينا الرد حتى اليوم. واستغربت العتيق عدم متابعة القرية لوضع اليتيمات في الرياض وكأن الأمر لا يهم مجلس الإدارة أو الإدارة. وقالت من الظلم أن لا تعود اليتيمات إلى المدينة عطفا على إنجازاتهن والتزامهن، إضافة للاجتهاد في الدراسة والقدرة على تحمل المسؤولية في تنظيف سكنهن، وإقلاعهن عن التدخين بعد إدمانهن عليه في القرية. وأكدت العتيق أن أي قرار أو إجراء لا يعطيهن حق العودة إلى المدينة سيكون محبطا لهن وستكون له آثار سلبية. وقالت مديرة مؤسسة المشلولين في الرياض ومديرة الدار التي تؤوي الفتيات المنفيات شرعة القحطاني، أنه وبمجرد وصول الفتيات إلى الدار تم رفع خطاب عن وضعهن بعد طي قيدهن من قرية طيبة للأطفال وأودعت في حساباتهن المبالغ المالية وصرفت لهن الكسوة أسوة بزميلاتهن، وأضافت: بصراحة الفتيات منتظمات في الدراسة، وأصدرنا لثلاث منهن بطاقات إثبات هوية، وتبقت اثنتان أمرهما معلق بسبب خطأ في اسم أب إحداهما. ولم تخفِ القحطاني ارتكاب الفتيات لخطأ في بادئ الأمر، نتيجة شعورهن أنهن يتيمات ولا يحاسبن على تصرفاتهن وأخطائهن فتمادين في الأخطاء إلى أن خرجت الأمور عن السيطرة، فهن يتحملن جزءا من المسؤولية. وقالت أعتقد أن بقاءهن حتى ساعات متأخرة من الليل خارج القرية وخروجهن غير المبرر للأسواق، والنوم في منازل الصديقات لعدة أيام، والإدمان على التدخين كلها أمور كان يجب أن تعالج مبكرا بدلا من تركها تتفاقم فيصعب حلها، فالفتاة لابد أن تعرف مالها وما عليها من حقوق وواجبات، واضعين في الاعتبار تنشئتها للغد لتشارك في خدمة الوطن. وأشارت إلى أن القرية تتحمل النصف الأهم من مسؤولية ما آلت إليه الأمور. وذهبت القحطاني إلى أن يتيمات المدينة لم يلتحقن بدورات أو برامج تؤهلهن للعمل، خاصة ما يتعلق بالبروتوكول والإتيكيت والتخلص من المشاعر السلبية. وأوضحت أن دار الرياض تعتمد برامج وحلقات لتحفيظ القرآن الكريم، ودروس للتقوية، إضافة لتنظيم السكن المريح، وتدريبهن على أن يطبخن لأنفسهن حسب نظام معين مع توفير كامل المتطلبات لمثل هذه البرامج والدورات الضرورية.