يصف مقربون من الفريق أول ركن عبدالله بن عبدالرحمن آل الشيخ – رحمه الله-بأنه كان مدرسة في فن القيادة والإنضباط والتعامل مع الآخرين ،فضلا عن أنه كان مسؤولا قدم لوطنه الكثير ،وحصل على العديد من الأوسمة وشهادات الشكر والتقدير . ويظل الفريق آل الشيخ الذي شغل عدة مناصب قيادية عسكرية آخرها مدير الأمن العام ،رمزا وقامة وطنية عملاقة بذلت وقدمت لوطنها الكثير. هو أحد ضباط وزارة الدفاع والطيران، قبل أن يساهم في التأسيس والإشراف على عدد من القطاعات الأمنية ، بدءا بإشرافه على كلية قوى الأمن الداخلي،ومديراً عاماً لقطاع حرس الحدود، ثم مديراً للأمن العام الذي شهد في عهده الكثير من الإنجازات والتطوير، ثم سفيرا لخادم الحرمين الشريفين في مملكة البحرين. صفحات مضيئة يروي أصدقاء ومحبو الفقيد صفحات مضيئة في حياته ،واصفين الفقيد بأنه كان رمزا وطنيا ظل يسابق الزمن بكل جدية ومثابرة لتحقيق كل ما هو مطلوب إنجازه بعيدا عن الظهور الإعلامي والأضواء . يقول صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز زوج إحدى بنات الفريق آل الشيخ :قليل من الرجال الذين يتمتعون بقدرة إرضاء كل من يعرفهم ،وقليل من الرجال الذين عرفت خصوصا من هم يتولون مراكز حساسة ويضطلعون بمسؤوليات ضخمة ،لا يصدر عنهم تململ أو ضجر من تلك المسؤوليات ،وقد عرفت في الفريق آل الشيخ واحداً من هؤلاء. لقد كان مخلصا لدينه ومليكه ووطنه ،إلتحق بالقوات المسلحة ولم يتجاوز السابعة عشرة من عمره رغم عدم رغبة والده بسبب صغر سنه. وقد أبلى بلاء حسناً في جميع المهمات التي أوكلت له،فلقد أشرف على أدق المهمات وأصعبها ،وهي كثيرة منها تحديد أهم حدود المملكة مع العراق وغيرها من الدول، ومشاركته في أكثر من وفد رسمي لمناقشة أمور أمنية حساسة ،علاوة على تقلده قيادة الأمن العام في ظروف دقيقة ،وتمكن بجدارته وإخلاصه ومهنيته أن ينجزها على خير وجه،فكسب بذلك ثقة جميع ولاة الأمر الذين عمل تحت إمرتهم :خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- ،وصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز -حفظه الله-، كما كسب إحترام وحب من يعملون معه لما يتمتع به من أخلاق وحسن تعامل بدون مقايضة على الإنضباط والدقة. أما حياته الخاصة مع عائلته وأقاربه ،فكانت مملوءة بالمحبة والمتابعة لما فيه خيرهم ،وفي كل السنين التي عرفت فيها الفريق عبدالله -رحمه الله- لم أره في يوم بحالة غضب أو عتاب لأحد من أفراد أسرته ،وكان يحل المشاكل بالإبتسامة الدائمة والنقاش الهادئ. رحمك الله أبا زياد فقد كنت نعم الأب ونعم المسئول وفوق هذا وذاك نعم الإنسان المؤمن بربه والمخلص لوطنه. من جيل الرواد المؤسسين ويقول محمد بن عبداللطيف آل الشيخ الكاتب المعروف : لن أتحدث عن الفريق أول عبدالله بن عبدالرحمن بن حمد آل الشيخ – رحمه الله - كرجل أمن، وصل في مناصب الدولة إلى أعلى المراتب، فأدى الأمانة، وقام بالواجب بشهادة كل من عمل معه وعاصره، وإنما سأتحدث عنه كإنسان يفيضُ بكل معاني الإنسانية والنبل والعطاء في أسمى معانيه؛ فهذا الجانب هو الجانب الآخر في شخصية هذا الإنسان الإستثنائي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. يقولون إن الكاريزما قد تورث الكبر والتعالي، غير أن هذا الإنسان رغم حضوره الطاغي، وشخصيته القوية، وجاذبيته، و(كاريزميته) التي شهد له بها كل من عرفه وتعامل معه، قد زادت نقاءه نقاء وتميزه تميزا فخلقت منه كائنا يشع إنسانية ونبلاً وعطاء وحباً للخير؛ كانت إنسانيته لا يتكلفها ولا يتصنعها فهي تتدفق من نظراته، وفي كلماته، ومن ابتساماته التي لا تفارق محياه في حياته الخاصة، وعند التعامل ليس معنا نحن أقاربه فحسب، وإنما مع كل من عرفه؛ فما إن يخلع زي عمله العسكري، الذي يتطلب منه الحزم والحسم والضبط الذي اشتهرَ به خلال اضطلاعه بمسؤولياته الأمنية القيادية، حتى يصبح رجلاً آخر، شلالاً من حنان ورقة وعطف ونبل وكرم وقيم يصعب أن تجدها إلا عند القلة من الرجال، أولئك الذين لا يجود بهم التاريخ إلا لماما, وكان إذا تحدث تشعر أنه يغرف من بحر، فلا تعوزه الكلمة، ولا تخونه الذاكرة، ولا يغيب عنه المثال؛ فتجده يضع الأمور في موازينها وسياقاتها، ثم ينتهي إلى النتيجة التي يريد أن يصل إليها فلا تملك إلا أن تتفق معه فيما ذهب إليه. وكان – رحمه الله – في تعامله مع أسرته مثالياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهو يتعامل مع صغيرهم ككبيرهم، ولا يتردد في مساعدة المحتاج منهم، فكان يبذل ماله متى ما استطاع بأريحية عفوية، دون أن يلحق مواقفه مِنّة، أو ينتظر منها مقابل؛ وكأنه المعني بقول الشاعر : تراه إذا ما جئته مُتهللاً كأنك تعطيه الذي أنت طالبه ولأنه عمل في قطاع الدفاع أولاً، ثم انتقل إلى قطاع الأمن، فقد أتاحت له مسؤولياته أن يتعرف على أغلب مناطق المملكة، ويعرف تفاصيل عن أهلها وعن جغرافيتها ،ما جعله فعلاً كنزاً من المعلومات، وكانت لديه ذاكرة حديدية، إذا تحدث عن ذكرياته تجده يروي الحوادث والقصص برواياتها وتفاصيلها، وكانت أمنيتي أن يدوّن تجربته العملية والحياتية ، خاصة وأنه كان من جيل المؤسسين الرواد سواء في المؤسسة العسكرية، أو الأمنية، وأتذكر أنه وعدني في آخر لقاءاتي به أن يدونها، أو يرويها لمن يدونها، غير أن المنية عاجلته - رحمه الله - قبل أن تتحقق هذه الأمنية. وأنتهز هذه المناسبة لأهيب بجيل الرواد، أن يدونوا تجاربهم، فتجاربهم تراث (وطني) يجب أن تستفيد منه الأجيال اللاحقة، وهذه آخر حقوقنا وحقوق أجيال المستقبل عليهم، وبالذات عندما يُنهون فترة اضطلاعهم بمسؤولياتهم، فأمة بلا تاريخ ولا تجارب أمة بلا ذاكرة. وختاماً أقول : هذا الرجل الإنسان لا يجود به الزمان إلا قليلا ،رحمه الله وجزاه عنا وعن ما قدم لوطنه خير الجزاء. إنه والدي ويتحدث عنه إبنه زياد قائلا: عندما يطلب منك أن تتحدث عن والدك ، فمن المؤكد أن في ذلك شيء من الصعوبة ،لأنك أمام اختبار إجتماعي مابين المجاملة وما بين الحقيقة والمصداقية التي ينتظرها الآخرون منك فيما ستكتبه عن والدك ،ويزداد الأمر صعوبة إذا كان حديثك هذا سينشر على الملأ ليقرأه كل الناس وسيكون كل ما كتبته عن والدك مطروحاً في ميدان التقويم والبحث والنقد ،مابين محب وما بين صادق ومخلص وما بين محايد وما بين غيرهم. وأضاف :لا تتوقف الصعوبة عند الحديث عن الفقيد إلى هذا الحد ،فعندما يكون والدك شخصية إجتمعت فيها خصال حميدة إعترف الآخرون بهيبتها واحترامها وانضباطها الصارم،وعندما يكون والدك شخصية تحمل باقتدار مميز قراءة التاريخ بكل فروعه ،وقراءة وحفظ السير وعلوم الثقافة والسياسة والعسكرية بكل مجالاتها ،ويحتفظ بها في ذاكرة فريدة ،وعندما يكون والدك شخصية صارمة في القرار بالحق وبالعدل ،وعندما يكون والدك إنسان حمل مع كل هذه الصفات خصال الكرم وحب الخير وصلة الرحم ،فان تلك كلها تمثل أبلغ صور الصعوبة أمامك فيما تريد أن تتحدث به عن والدك للآخرين. ويتابع زياد : عندما تكون أنت الإبن الوحيد لهذا الوالد الذي يملك كل هذه الصفات ،ويتوقع من هذا الوالد أن يكون إبنه الوحيد مدللاً مرفهاً في كل شيء ،وأن تربيته ستشمل الوجه الآخر لهذا الأب الرجل الصارم في عمله ،لكن ذلك لم يحدث إطلاقا،فقد فشلت محاولات كل أفراد الأسرة في إقناعه بمنح هذا الإبن الوحيد نوعاً مميزاً من التعامل والتربية ،فقد كان يصر - رحمه الله - على فرض شخصيته التربوية الخاصة ذات الطابع العسكري مع إبنه الوحيد في كل مراحل عمره دون أي مراعاة لمجرد كونه الإبن الوحيد والصغير،فلقد حافظ الأب وبكل قوة وهيبة ظاهرة وخافية وبكل كبريائه العسكرية بأن لا تضعف شخصية القائد العسكري أمام الشخصية الأبوية ،فاستطاع -رحمه الله- أن يجسد الهيبة مع الأبوة بكل صورها في كل مراحل التربية لهذا الإبن الوحيد لإدراكه أن هذه هي أفضل وسيلة وأبلغ أسلوب لتربية صالحة لرجل سار على نهج واحد من الهيبة وقوة الشخصية في كل مراحله عمره ،يرجو من كل ذلك صناعة وتربية الشاب المسلم ذي الأخلاق الحميدة التي ظل ينادي ويطالب بها كمنهج وسلوك في حياة الإنسان. رحمك الله يا والدي الغالي ،يا قدوة الإنضباط والهيبة وأسكنك فسيح جناته. صاحب القلب الكبير وتصف آسيا إبنته الكبرى والدها ،بأنه صاحب قلب أبيض من اللبن ،وأحن من الأم ،وأرق من النسمة:»علمني معنى الإخلاص في العمل وحب الوطن وتحمل المسؤولية, كان وما وزال لي رمز الإنضباط والدقة،علمني التفاني في العطاء» وتضيف آسيا متذكرة والدها : فقده عراني ،وسلب مني الظهر الذي طالما ارتكزت عليه،اليوم يظل والدي هو الضمير الذي يرافقني،وفي كل يوم يتراءى لي في كل قرار اتخذه ،وفي كل خطوة أخطوها ,مازلت أستمد منه العزيمة والإصرار ،وما زال يعيش داخلي في كل الحنايا ،ساكنا قلبي، مرافقا لي في كل خاطرة , أتذكر بصماته الحانية وتوجيهاته السديدة , أتذكر كيف كان يعاملنا بكل ود وحب واحترام ويؤسس فينا الإنضباط وحب الآخرين والتواضع في التعامل ومساعدة المحتاج , لم يكن مدرسة في حياتنا فحسب , بل جامعة للقيم والأخلاق. الأوسمة والميداليات منح الراحل الفريق آل الشيخ العديد من الأوسمة والميدليات المحلية والعربية والدولية وخطابات الشكر ،أبرزها وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة ،ووسام الملك فيصل من الدرجة الاولى والممتازة ،وميدالية المسجد الحرام، ونوط الخدمة والقيادة والإتقان والشجاعة والامتياز. كما حصل على أوسمة خاصة من الصين ،تونس ،مصر، سوريا ،ماليزيا، الأدرن ،كوريا والدنمارك . واشترك الراحل في العديد من الدورات في مجال الصيانة والتأهيل واللغة الانجليزية من أمريكا ،فضلا عن دروات في مجال عمله في عدد من الدول. محطات في حياة الفريق آل الشيخ -ولد الفريق آل الشيخ في الرياض عام 1350 ه -إلتحق بالمدرسة العسكرية في الطائف عام 1367ه ،وتدرج من رتبة ملازم حتى رتبة فريق أول عام 1398 ه وهي أعلى رتبة عسكرية. -تنقل في عمله العسكري من فوج الإستطلاع إلى فوج المدرعات ثم انتدب بالقيادة العربية المشتركة عام 1377ه وعين آمرا بمدرسة المدرعات فقائدا لفوج المدرعات وانتقل إلى الإمدادات والتموين ،فمساعدا لمدير مكتب الأركان لشؤون إدارة الجيش في 1382ه ،ثم مديرا عاما لكلية قوى الأمن الداخلي ,ومديرا عاما لسلاح الحدود عام 1390 ه ،وخدم في هذا القطاع نحو عشر سنوات , وفي عام 1400 ه عين مديرا عاما للأمن العام , وأحيل إلى التقاعد بتاريخ 14/1/1413 ه بناء على طلبه . وبعدها عين سفيرا فوق العادة للمملكة لدى مملكة البحرين إعتبارا من 11/4/1416 ه حتى 1/6/1421ه. -شارك الراحل في عدد من المؤتمرات والزيارات الرسمية منها حضوره المؤتمر الثاني لرؤساء كليات الشرط بمقر منظمة البوليس الدولي الجنائي ( انتربول ) في فرنسا عام 1970 م . -رافق صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز في زيارات إلى عدة دول في مناسبات رسمية , كما شارك في العديد من المناسبات والوفود الرسمية إلى دول أوروبية وإسلامية وعربية, ورأس الوفد السعودي للتباحث مع العراق في المواضيع الحدودية عام 1393 ه . -إنتقل الفقيد الراحل إلى رحمة الله في الرياض يوم الاربعاء 9/5 من العام 1429ه إثر نوبة قلبية. أبناؤه للفقيد إبن واحد وهو زياد أحد موظفي وزارة الداخلية ،وخمس بنات : آسيا وعواطف وغادة وهالة وعلياء، وقد عانى في آخر أيامه من مرض في القلب. ومن إخوة الفقيد محمد رئيس المراسم الملكية في عهد الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - حتى استقالته، ويلي عبد الله أخوه ناصر ثم عبد المحسن -رحمه الله- ثم أحمد.