في تاريخ الصحافة العربية هناك أسماء كبيرة واستثنائية ساهمت في إعطاء دور حقيقي، وتحول موقع الصحافة العربية إلى موقف ورأي، من هؤلاء الكبار والاستثنائيين يبرز اسم الراحل غسان تويني. لم يكن مجرد صحافي فقط كان رجلا اختلطت فيه شخصية الصحافي بالسياسي بالدبلوماسي بالنيابي بالمثقف بالمفكر بالوطني والقومي كان مزيجا عجيبا من شخصيات مختلفة. عاش غسان تويني وسط الأحداث السياسة الكبرى التي كونت منه هذه الشخصية المختلفة، والده جبران مؤسس جريدة «النهار» كان يمثل له الضوء الأول في عالم الصحافة فيما كان أستاذه الكبير شارل مالك هو الذي كان يمثل له النموذج الفكري والفلسفي.. لذلك لم يكن غسان تويني مجرد صحافي فقط، لقد صنع وصاغ جريدة «النهار» وطبعها بشخصيته، كان أحد الكبار في لبنان وإذا ذكر الأستاذ محمد حسنين هيكل في مصر مرتبطا ب «الأهرام» أيام مجدها وعزها ذكر غسان تويني في لبنان مرتبطا بجريدة «النهار» في مجدها وعزها في الستينيات والسبعينيات الميلادية. غسان تويني الحاصل على بكالوريوس الفلسفة من»الجامعة الأمريكية» في بيروت في عام 1945م والماجستير في العلوم السياسية من جامعة هارفارد من الولاياتالمتحدةالأمريكية والمحاضر في العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت ما بين العامين 1947 1948م، كان وجه جريدة «النهار»، وواجهتها، هذه الجريدة التي كانت جزءا أساسيا ورئيسيا من تاريخ لبنان المعاصر، بدأ العمل الصحافي في العشرينات من عمره في جريدة «النهار» التي أسسها والده جبران تويني في عام 1933م. قرأت بعض كتبه خاصة «سر المهنة.. وأسرار أخرى» الذي قدم فيه خلاصة تجربته الصحافية والإعلامية فيما تجد في كتبه الصغيرة الصادرة عن دار النهار منها «الإرهاب والعراق قبل الحرب وبعدها» وعن «حوار مع الاستبداد» والتي عنونها ب «سجالات» عبرالمقالة الصحفية التي تعالج وتقرأ الأحداث لكن برؤية عميقة واستشرافية. كان غسان تويني يتميز بهذه العبارة التي هي مزيج من لغة الصحافي والأكاديمي والمفكر أفادته تجربته كسفير لبنان في الولاياتالمتحدةالأمريكية وسفيرا للبنان في لأمم المتحدة أن يرى الأشياء والأحداث والمواقف برؤية مختلفة. في حياته الكثير من الفواجع والمواجع من فقدانه لزوجته الشاعرة ناديا تويني إلى فقدانه لابنه جبران الذي ذهب إلى الموت اغتيالا. كان قيمة وقمة وهو من كبار لبنان هذا البلد الصغير الذي أنجب الكبار جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وبشارة الخوري وسعيد عقل وفيروز والرحابنة والكبار في الفكر والفن والسياسة والأدب. كانت جريدة «النهار» تصنع الأحداث في لبنان وكانت مدرسة تضيء بالأسماء البارزة في عالم الكتابة الصحفية والفكرية السياسية والثقافية. اليوم تبدو «النهار» بلا غسان تويني الذي كان أحد الأسماء الكبيرة والمضيئة في تاريخ لبنان الحديث، إنه أحد شهود الحرية.