فند المحامي الدكتور عدنان الزهراني، والإعلامي رئيس نادي الطائف الأدبي سابقا، صاحب منتدى السالمي الثقافي، حماد السالمي في قراءتهما للتقرير الثالث الذي أصدرته الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان مؤخرا «حقوق الإنسان في المملكة.. طموح قيادة وضعف أداء أجهزة»، ما تضمنه التقرير من ملاحظات على أداء الأجهزة الحكومية حول قضايا حقوق الإنسان، معتبرين أن التقرير حمل مؤشرات شفافة؛ لكن كان يفتقر إلى تقديم الحلول لمساعدة الجهات الحكومية التنفيذية والتشريعية على تنفيذها. وقال الدكتور الزهراني:«التقرير جاء تقريرا وافيا بدرجة كبيرة، غير أنه قد خلا عن بعض الجوانب اليسيرة التي تفسر وجود الخلل في جميع الأجهزة الحكومية»، وأضاف«سأورد بعض التفسيرات لنواحي القصور في الأجهزة الحكومية مع الاعتراف بأن التقرير تعرض لأهم الأسباب التي تؤدي إلى وجود تلك النقائص، غير أنني أقول إن من أهم أسباب الفساد أيضا: فقدان ثقافة الجودة المرتبطة بيقظة الضمير بجميع مكوناته من الإخلاص والصدق وغير ذلك، وأعني بذلك جودة العمل وهي شيء يتصل بالتربية والقدوة وإصلاح ممكن من خلال الرقابة ووجود تطوير لقواعد القياس الوظيفي وهو ما أشار إليه التقرير بشأن ممارسة حقوق الإنسان؛ ولكنني مع هذا أؤكد بأن المسألة لا تتعلق بالرقابة والقياس برغم أهميتهما، بل تتعلق بثقافة الجودة وتفشي ظاهرة «مشي حالك» وظاهرة «أللي تقدر تأجله أجله؛ لأن العمل ما يخلص» وهي ثقافة متفشية للأسف برغم الرقابة مع الإقرار بأن الرقابة ستساهم في الحل؛ ولكن تصحيح الثقافة من خلال التربية ووسائلها المتعددة أدعى لتحقيق النتائج». وبين الدكتور الزهراني، أن التقرير تعرض لبعض ما يعانيه القطاع القضائي، وقال: «في ظني ليست مشكلتنا مع هذا القطاع نقص القضاة أو نقص التجهيزات، بل المشكلة في تكمن أمرين: الأول يتعلق بثقافة الجودة المرتبطة بالضمير، كما ذكرت آنفا؛ لأن القضاء أصبح في كثير من الحالات مجرد فرصة وظيفية الغرض منها الاسترزاق لا فرصة غالية وثمينة وحبيبة للنفس من أجل تقديم خدمة للناس ومن أجل إيصال الحقوق لأصحابها، كما هو الأصل في هذا الخصوص والمضحك في الأمر أن بعضهم لا يتنازل عن أي حق كفلته له وظيفته، ويبقى متحسرا لفقدان شيء منها، ويلوم كثيرين لتقصيرهم في حقوق القضاة الوظيفية، ولكنه للأسف يتساهل في إيصال حقوق الناس إليهم، ولا يتعامل معها بجدية؛ ولأتفه سبب يؤجل القضية، بل يبحث عن سبب للتأجيل، وكثير من القضاة لا يدرس القضية ولا يطلع عليها إلا أثناء الجلسة وقد يعطي أجلا للدراسة وإصدار الحكم بعد عدة شهور؛ ولكنه حين يأتي الأجل يكون غير جاهز للبت في القضية فيعطي أجلا آخر يمتد عدة شهور أخرى وليس يسأله أحد عن ذلك، والأمر الثاني يتعلق بالمعرفة إذ يلاحظ على كثير من القضاة عدم التمكن المعرفي لا من حيث المعرفة الشرعية ولا من حيث المعرفة بالإجراءات وهذا يضيع كثيرا من الحقوق والوقت»، وأضاف«يبقى جانب يتصل بوزارة العدل وهو يتعلق بالنظام الآلي الذي أصبح سببا في كثير من التأخير نظرا لوجود أعطال فيه وتعقيد شديد في التعامل معه ومع هذا فالنقلة التقنية تدعو للسرور والشكر مع الدعوة لمزيد من التحسين والتطوير». وحول ما يتصل بدعم حقوق المرأة، قال الزهراني: «عرض التقرير على استحياء لحقوق المرأة في تولي القضاء أو العمل في المحاماة وصرح بنقد انتقاص حقها في الترافع ونحو ذلك والحق أن ذلك حق للمرأة دون فرق ولا دليل من قبل الشريعة على التفريق فللمرأة أن تتولى القضاء وأن تعمل في المحاماة، إضافة لحقوقها في الترافع وتولي سائر شأنها ومن المؤسف حقا أن النظام فرض في كثير من الحالات على المرأة أن تحضر معرفا أو محرما في كثير، بل في أكثر أعمالها الحكومية لسببين هما، كونها محجبة وكونها لا تملك هوية وطنية أثناء سن تلك القوانين أو أثناء إرسال تلك التعاميم ومن ضمنها تعاميم من وزارة العدل في وجود معرف للوكالات النسائية، وهو شيء لا زال ساريا للأسف برغم انتفاء سبب وجوده؛ لأنها تملك الآن الهوية الوطنية الخاصة مع وجود صورة للتحقق والمطابقة بين الشخص الماثل والشخص الذي تعترف به الدولة في الهوية بعينها»، وأضاف «المرأة باتفاق جميع الفقهاء وبدون خلاف فيما بينهم في جميع العصور الإسلامية لها أن تكشف عن وجهها لدى الشهادة لها أو عليها أو لدى الشراء منها أو البيع لها وأنها تتولى ذلك لو شاءت دون محرم، وعليه فلا حاجة لمحرم طالما أن لدينا وسيلة للتحقق من الشخصية؛ لأن سبب وجود المحرم هو عدم وجود وسيلة للتعرف عليها عند نشوء خصومة، إلا من خلال هذا المحرم الذي لاحظنا كثيرا أن المرأة عندنا تكون ضحية له ولابتزازه، وللأسف لازالت وزارة العدل لا تصدر وكالة للمرأة إلا بمعرف، وهذا شيء لا يعرف في الفقه الإسلامي وهو وليد النظام والنظام أقره لعدم وجود هوية للمرأة في فترة سابقة، فأما اليوم فلا يوجد سبب وجيه شرعا أو نظاما لإلزامها بالمحرم أو المعرف؛ لأن المطابقة بين شخصها والهوية التي تحملها لا يختلف عن مطابقة هوية الرجل ولها بالاجماع أن تظهر وجهها لدى التعامل المفتقر لتحديد هوية من يقوم بتلك المعاملة،ولسنا أعرف من الله تعالى لنضع قيودا الشر منها أكثر من الخير». تعرض التقرير لأهمية مبدأ الكفاءة من أجل تولي الأعمال والمسؤوليات وطرح قاعدة التفاضل على أساس السيرة الذاتية والمقابلات الشخصية، وهذا محل رفض قطعي ولا ينبغي أن نوافق التقرير عليه؛ لأن السيرة الذاتية قد تلفق والمقابلة الشخصية تخضع للتشهي وتفتح باب المحسوبية مجددا»، وزاد«أرى أن الاختبارات التحريرية يجب أن تكون لها الحصة الكبرى من التقدير، وتكون الوظيفة مستحقة لصاحب الدرجة الأعلى». وحول ما ورد في التقرير عن التجنيس والتجنس ومسألة عديمي الهوية،قال الدكتور الزهراني: «لم يشخص التقرير التشخيص الكامل للداء، كما أنه لم يضع يده على الدواء، لأن المشكلة ناتجة عن قصور في تصور مفهوم الجنسية؛ لأن مفهومها هو حق المولود في العيش فوق الأرض التي ولد عليها (فوقها) والعيش على تلك الأرض يجب أن يكون بكرامة وبالتالي حصوله على الجنسية الخاصة بتلك الأرض حق لا يجوز المساس به، وليس مجرد منحة»، وأضاف«هذا الحق ليس منحة، بل هو حق طبيعي ثابت شرعا وقانونا في كل الدول المتقدمة». وعن ما عرضه التقرير عن القضاء الإداري، قال الدكتور الزهراني: «مشكلة القضاء الإداري ليست في تأخره، بل في ثقافته التي أشرت إليها لدى الحديث عن القضاء عموما مع وجود مشكلة عويصة أخرى وهي توغله في الشكلية، وأرى أن يتم التخلي عن جميع الجوانب الشكلية التي تحول دون الترافع ضد القرارات الإدارية، نعرف من الناحية الشرعية دليلا يسقط الحق بالتقدم، وأي حجة يسقونها في هذا الخصوص ضعيفة لاسيما التي يسمونها المصالحة من أجل الاستقرار الإداري، وعدم إشغال السلطات». من جهته، قال حماد السالمي: «التقرير جاء شاملا ومركزا ومفصلا إلى درجة تبعث على السرور، خاصة أنه كشف عن مجهود كبير بذل من أجل الوصول إلى حقائق مبعثها شكاوى الناس وما يكتب وينشر في وسائل الإعلام من تظلمات وقصور خدمي في ميادين عدة»، وأضاف«طموح قيادة وضعف أداء أجهزة.. هذه الجملة الواردة في عنوان التقرير، تشي بما اشتمل عليه التقرير من رسائل وحتى توصيات في آخره جاءت مهمة للغاية، فكثير من الأجهزة الحكومية المغطاة من قبل الجمعية، لا تفي بمتطلبات توجيهات خادم الحرمين الشريفين والقيادة العليا في المملكة، من أجل حماية وصيانة حقوق الأفراد، وتذليل الصعوبات التي تواجههم. هذا العجز الذي عبر عنه التقرير هو الذي دفع المقام السامي إلى إصدار أمر سام برقم 21013 في 19 / 4 / 1433ه، تضمن كثيرا مما نشر في الصحف ووسائل الإعلام من تظلمات، وهي تشير في مجملها إلى قصور كبير في أداء بعض الأجهزة الحكومية، ثم أكد الأمر السامي على كافة الجهات بالحرص على تطوير خدماتها وتقديمها لكافة من يحتاجها». وأستطرد السالمي«أحيي الجمعية على هذه الشفافية، وهي التي ضمنت تقريرها ملاحظات مهمة على عدة جهات في مقدمتها أقسام وفروع وزارة الداخلية، وهيئة الأمر بالمعروف، والتعليم العام، والصحة، والخدمة المدنية، وشرحت تفصيلا ما وجدته في السجون والتوقيف وشكاوى الناس من هيئات الأمر المعروف إلى غير ذلك»، وأضاف«شدني ما طالبت به الجمعية مجددا بوضع احترام حقوق الإنسان وضمان حرياته في العيش الكريم وحرية التعبير والمساواة والعمل، وذلك ضمن مؤشر قياس أداء في كافة الأجهزة الحكومية، وطالبت بإنشاء مركز للقياس لهذا الغرض»، وزاد«تمنيت لو اعتنت الجمعية بالبحث في تعزيز ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في المملكة، وأن تكون ضمن مواد التخرج في دراسات ودورات العسكريين والمدنيين العاملين في كافة القطاعات».