.«هذا التنازل ما هو بهين أبدا أبدا.. أشكركم وأهنئكم بفوز كل من أعطى منكم» .. كلمات صادقة نبعت من قلب الملك الإنسان عبدالله بن عبدالعزيز وهو يستقبل العافين عن قاتلي أبنائهم يوم الجمعة الماضي ليتوج بها مشاعر الكرم الأخلاقي التي عبر عنها كل من عفا وأصفح لوجه الله تعالى ثم استجابة لشفاعة خادم الحرمين الشريفين.. نعم من عفا وأصفح فأجره على الله، وهذا هو الفوز الكبير وهؤلاء الكرماء الأوفياء قد قدموا للوطن صورة مشرفة من صور التلاحم الوطني، وغيرها كثير تعم أرجاء وطن الخير والعطاء. ولعلي أورد هنا أحدها وهو أنموذج من النماذج الجميلة في العفو والصفح بين القبائل. وكم تمنيت وأنا أتابع خبر الصلح بين آل فطيح وآل منصور منذ شهور مضت أن تستهوي أحداثه مخرجا سينمائيا مبدعا ينتج لنا فيلما وثائقيا هادفا وشيقا ومثيرا. في ذات يوم أقبلت جموع غفيرة من قبائل الوعلة يام آل فطيح يتقدمهم شيخ شمل القبائل مصطحبين معهم 50 ألف ريال وعددا من الإبل والأغنام «كمنصد» في طي خلاف وقع بينهم وبين قبيلة آل منصور يام على إثر قيام أحد أبناء آل فطيح يام بإطلاق النار من مسدسه على آخر من أبناء آل منصور يام نتيجة خلاف بينهما على أسبقية الدور عند جهاز الصراف الآلي ومن لطف الله أنها لم تقتله. فأقبلت الجموع من قبيلة آل فطيح إلى ساحة الصلح بترتيب وتنظيم أمني مرددين زاملا جميلا تقول أبياته: «يا سلام الله مثنى على من حن نصينا ... صلب جد في نسبنا وساسا ننتمي له .. والله انكم ما رضيتوا وحنا مارضينا ... صفقا من غير عرفا وكل في سبيله». واعترفت القبيلة بالخطأ وسجلت رضاها بما يحكم عليها، وبناء على ذلك أعلنت القبيلة الأخرى الحكم عليها بمليون ريال وسيارتين لاندكروزر، موديل 2012م، واثنين من ثلاثة أنواع من الأسلحة (رشاش وجنبية ومسدس)، فقوبل الحكم بالرضا لتصفية النفوس وتوج الرضا بالأمل في السماحة وكريم العفو، فطلبت قبيلة آل منصور التشاور فيما بينها ثم خرجت من مخيماتها نحو آل فطيح مرددة زاملا جميلا مطلعه: (مرحبا مليون ياصبيان يام ... عند من يذري الجميل ويذخره).. وأعلنت بذلك عفوها وتنازلها عن الحق الخاص لوجه الله تعالى ثم لوجه خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، وتقديرا لأمير نجران المحبوب مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز، فارتفعت الرايات البيضاء تلوح معبرة عن موقف السماحة وشجاعة العفو مرددين أصحابها زاملا جميلا كله ثناء وتقدير.. كم هو جميل ومؤثر هذا المشهد الذي يجسد صفح الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، ويجسد العفو عند المقدرة.. فلكم يا آل منصور الأجر من الله، وليت من ابتلي مثلهم أن يحذو حذوهم ويعفو عفوهم، ولكم يا من عفوتم عن قاتلي أبنائكم لوجه الله تعالى الأجر والثواب من رب العزة والجلال.. ونسأل الله لمن ينتظرون القصاص وقد ندموا وتابوا أن يسخر لهم أهل الخير لمساندتهم وينزل في قلوب خصومهم الرحمة ليعفوا ويصفحوا لوجه الله.