يمكن القول: إن لبنان نموذج مستقبلي ومأساوي لغالبية الدول التي لا تنتبه أو لا تحل مشكلاتها الطائفية أو المذاهبية، فهي أي الدولة المشابهة للبنان ما أن تضعف قبضتها الأمنية كالعراق مثالا، إلا وتتغول بها الطائفية وتنقسم الدولة إلى أجزاء وإن بدت وهمية على الخريطة إلا أنها واقع معاش. فها هو العراق يقسم إلى ثلاثة أقسام، جنوبا يقطنه الشيعة وحياة الكردي والسني العراقي مهددة إن سكنوا هناك، والشمال أكراد والوسط سنة يقاومون التغول الشيعي الذي يريد تهميشهم إلى الأبد.. وهكذا هي ليبيا الجاهزة لحرب أهلية بعد سقوط النظام، واليمن إذ تتقاتل قبائلها على أي مشكلة بين فردين من القبائل، كذلك سوريا جاهزة لأن تصبح لبنان جديدة دول داخل دولة. إن النموذج اللبناني والمأساوي يكشف لنا مستقبل أي دولة لا تعمل على جعل المواطنة أعلى مرتبة من الطائفة/ المذهب/ القبيلة، وأنه في حال استمرت الطائفية تتغول في المجتمع، سيحدث لتلك الدول ما يحدث للبنان. فمع كل قضية جنائية في لبنان وإن كانت «مشادة بين شيعي ومسيحي أو سني في الشارع لخلاف شخصي» ، تتحول سريعا إلى قضية تهدد بحرب أهلية بين الطائفتين، فتجيش كل طائفة أبناءها للانتقام. والسبب أن الفرد لم يعد قادرا على كسب عيشه وحيدا داخل غابة الطائفية ما لم يتبع طائفة، كذلك الطائفة الأخرى لا يمكن لها رؤيته كفرد يمثل نفسه، وبالتالي تحاكم الطائفة بأكملها وإن كانت القضية فردية محضة.. قد تبدو مأساة لبنان غير قابلة للحل في المستقبل القريب؛ لأنانية زعماء الطوائف وعدم تخليهم عن زعاماتهم لمصلحة الدولة، لكنها تقدم للبشرية من خلال مأساتها تجربة مفيدة لباقي الدول دون أن تدفع تلك الدول الثمن، وتخبرها بأن عليها العمل على تفكيك الطائفية، وأن يستعيد الفرد استقلاليته بعيدا عن الطائفة/ المذهب/ القبيلة، وألا يحتاج إليهم من أجل أن يكسب عيشه، وإلا لن يكون أمام تلك الدول مستقبلا إلا مآسي لبنان، وهذا ما يؤكده العراق الآن.