أدرك سلفا أن بعض المثقفين حينما يقرا عنوان مقالتي سيتهمني بالطائفية ،ولا شك أن هذا قصور في فهم ما المقصود بالطائفية ؟ الطائفي هو من ينتصر لطائفته حقا أو باطلا ، ويحرض على الطوائف الأخرى ويبرر ظلمها ، ويدافع عن طائفته حقا وباطلا ولست بحمد الله من هؤلاء ، فأنا أدعو إلى إعطاء الشيعة حقوقهم في المواطنة في أي بلد وحقهم في ممارسة شعائر مذهبهم ، لكن في المقابل أدعو إلى النقد العلمي الموضوعي الهادف لفكرهم بعيدا عن الهجاء والتحريض والاستعداء ، وأدعو للحوار الصريح بين السنة والشيعة والتعاون في كل ما فيه مصلحة للمسلمين بعيدا عن هراء ما يسمى مؤتمرات التقريب بين السنة والشيعة ، وهي مؤتمرات للمجاملات وإيهام عوام الناس ألا فرق بين المذهبين عقائديا .أعتقد أن هذه المقدمة ضرورية لئلا يساء فهم المقصود بالمقال , فالمقصود بالمقال ؟ شاهد العالم الأحداث التي قامت بها ميليشيات ( حزب الله ) في لبنان من اجتياح منظم لمناطق أهل السنة في بيروتالغربية وما حصل فيها من تركيع للحكومة وإذلال لأهل السنة ( وهو أعظم إذلال مر لأهل السنة في لبنان في تاريخهم كما يقول المفكر اللبناني رضوان السيد ) وكانت شعارات جنود مليشيا حزب الله ترتفع بالقول ( جيناكم يالسنية ) ، وجرى تمزيق لصور زعماء السنة في لبنان كرفيق الحريري ورقع صور مشايخ الشيعة خامئني والخميني وحسن نصر الله ، فما تفسير ما حدث؟ الخلاف في لبنان سياسي في العمق وليس دينيا , لكن مظاهره ونتائجه بالضرورة تتحول إلى خلاف ديني طائفي ، وذلك أنه لا يمكن الفصل بين السياسة والطائفة في لبنان إذ تحولت الأحزاب والتنظيمات إلى حصون داخل الطوائف , ويعبر نبيه بري زعيم منظمة أمل الشيعية عن هذا الوضع بقوله ( أردنا أن نسيس الطوائف فطيَّفنا الأحزاب ) . والذي جعل لبنان يستمر في أزمته الطائفية منذ نشأته أن الدستور بني على أساس طائفي إذ وزعت مناصب الدولة العليا حسب الطائفة فرئاسة الدولة والجيش من نصيب طائفة الموارنة المسيحيين ، ورئيس الوزراء من نصيب السنة ، ورئيس البرلمان من الشيعة ، و خمسة وخمسون بالمائة من أعضاء البرلمان من المسيحيين وخمسة وأربعون بالمائة مسلمين ، ثم بعد الحرب الأهلية و اتفاق الطائف أصبحت النسبة متساوية بين الفريقين . هذا الوضع المقعد للتركيبة السكانية وتمثيلها السياسي جعل لبنان محطا للتدخلات الإقليمية وأصبحت طوائفة رهينة بيد القوى الإقليمية تحركها متى شاءت تبعا لمصالحها تلك الدول . ولا يمكن أن يحصل سلام في لبنان إلا بالتوازن بين طوائفه الثلاث الكبرى ( السنة والشيعة والموارنة ) ، ومن هنا فإن أي إخلال في ميزان القوى بين تلك الطوائف الثلاث ينتج بالضرورة توتر واضطراب ، وهذا ما حصل ويحصل في لبنان إذ انفردت طائفة الشيعة بتكوين جيش مدرب قوامه أربعون ألف مسلح يمتلك العتاد الحربي المتطور وشبكة من الاتصالات ، ومقرات ومربعات أمنية محرم على الجيش اللبناني الدخول فيها ويمكن معتقلات ، وهو جيش عقائدي طائفي مغلق لا ينتمي إليه سوى أفراد الطائفة الشيعية ، وعلاوة على ذلك ولاؤه للولي الفقيه في إيران وقرارات الحرب والسلم والتحرك تصدر من إيران بشهادة أمينه السابق صبحي الطفيلي حيث قال في مقابلة معه في جريدة الشرق الأوسط ((من يقول في لبنان إن إيران لا تتدخل كاذب. القرار ليس في بيروت وانما في طهران )) وقال (( الأخ السيد حسن نصر الله هو منفذ سياسة السيد الخامنئي في لبنان تماما لا يحيد عنها قيد أنملة، والسيد عبد العزيز الحكيم (رئيس المجلس الأعلى في العراق) منفذ سياسة الخامنئي في العراق» . هذا الوضع المخل في التوازن الطائفي في لبنان حوَّل حزب الله إلى اللاعب الرئيس في الساحة السياسية في لبنان ومكنه من طرح شروطه ومطالبه ، وتحركه الأخير هو البداية فقط لتنفيذ مشروعه السياسي في لبنان ، وهو مشروع في محصلته النهائية إعادة التركيبة السياسية في لبنان ، وكل ما يقال الآن وما يبحث في مؤتمرات الحوار في الدوحة واشتراك حزب الله فيها إنما هو استراحة محارب للحزب ، وكسب للوقت لا أقل ولا أكثر ، وكل من يقول غير ذلك فهو إما كاذب ، أو جاهل ، أو واهم . وكل حديث يقوله حزب الله الآن عن المقاومة ، والوحدة الإسلامية ، وغير ذلك من الشعارات المطروحة إنما هو هراء . ولا حل في لبنان إلا بأحد أمرين ؛ الأول : نزع سلاح حزب الله وتحوله إلى حزب مدني ، وتسليم أسلحته كاملة للجيش ، إذ انتهى شيء اسمه مقاومة بعد انسحاب إسرائيل ، وتحول الحديث عن سلاح المقاومة إلى ( قميص عثمان ) أو (مسمار جحا ) ، وأصبح الحزب يقتات عليها ، ويطلب الاستثناء بسببها ، ثم بعد ذلك من حق حزب الله أن يطرح مطالبته بتغيير التركيبة السياسية في لبنان فوق طاولة الحوار . والحل الثاني : بما أن نزع سلاح حزب الله من سابع المستحيلات وهو خارج نطاق الحوار كما يصرح قادته ،فهنا يجب تسليح بقية الطوائف لإحداث توازن الرعب بين طوائف لبنان ، فإذا كان تملك قوى عديدة للأسلحة النووية أوجد حالة من توازن الرعب بين تلك الدول الكبرى فهذا هو بالضبط المطلوب في لبنان . وهنا يجب على الطائفة السنية أن تسلح نفسها ، ومثلها الدروز والمارونيون ، أما أن تحتكر طائفة من الطوائف السلاح باسم المقاومة أو بأي اسم من الأسماء فهو بكل بساطة وضع رقبة جميع اللبنانيين تحت رحمة سكين هذا الحزب وسلاحه . ولا أظن أن لبنانيا شاهد ما حصل في لبنان وشاهد قزامة الجيش الوطني ، وتحول بيروت رهينة ذليلة تحت رحمة مليشيات حزب الله المتغطرسة ، وشاهد إحراق المؤسسات الإعلامية ، واستمع إلى تبجح رئيس حزب الله وحديثه عن قدرة حزبه على الاستيلاء على السلطة والزج بكل السياسيين في السجون في بعض ساعات ، وهو إشارة إلى استهانته بالجيش والمؤسسة العسكرية الرسمية ، لا أظن أن لبنانيا يعي معنى ذلك كله ثم بعده يثق بأي مؤتمر للحوار لا يطرح فيه أحد الحلين اللذين ذكرتهما . ------------ رجاء خاص أرجو من الأخوة المعلقين البعد عن الكلام الطائفي في تعليقاتهم د سليمان الضحيان أكاديمي وكاتب سعودي [email protected]