يوشك موسم أمطار هذا العام أن يودعنا، وقد أكرمنا المولى سبحانه بأن ساقه إلى حيث المزارع والمنافع، أما نحن، فبدلا من أن نمكثه في الأرض لينفع الناس، مازلنا نصرف سيوله إلى البحر ليلوث زبده شواطئنا، أو إلى الأودية ليشكل مستنقعات حاضنة للحشرات الضارة الناشرة للأوبئة. السؤال الممض هنا أيعقل أن ننفق ملايين الريالات لتصريف سيول المطر إلى البحر ثم نعود وننفق مليارات أخرى لاستعادتها منه وتحليتها، أو نسوقها إلى الأودية ثم ننفق مليارات أخرى لتجفيف ومكافحة أضرار المستنقعات الآسنة التي يشكلها؟ تبدو كأحجية مع أن حلها لا يتطلب إعادة اختراع العجلة ولا استحضار تقنيات عالية الكلفة، يكفي تطوير ما كان يفعله أجدادنا للاستفادة من هذا الخير العميم الذي نهدره سنويا برغم فقر مصادرنا المائية، غيرنا يعلن حالة الطوارئ إذا وصل منسوب مصادره ضعف منسوبنا. درء سيول الأمطار عن المدن والقرى لا يعني وجوب التخلص منها، وجريان السيول ذاته لا يعني تجنب البناء في أماكن جريانها، فكثير من مدننا تجاور أودية وتقع على مجاري سيول بحكم وجود الجبال في معظم مناطقنا، يعني فقط حسن التصرف معها لا مجرد تصريفها، مدن عالمية كثيرة شيدت فوق مجاري سيول، ولا شك أن مهندسينا وخبراء بناء مدننا قد درسوا وشاهدوا مدن العالم المبنية على أنفاق مائية ضخمة تتحكم في اتجاه مياه الأمطار أو في مياه الصرف الصحي للاستفادة منها. مشاريع التحلية، على أهميتها، لا يمكن أن تكون بديلا عن الاستفادة من مياه الأمطار الأقل كلفة والأكثر أمانا، إقامة السدود والخزانات لحفظ هذه المياه كفيل، بقليل من العناية، بتحويل كثير من الصحاري والأراضي الجرداء حول مدننا إلى غابات كثيفة وتشكيل حزام أخضر يحميها من العواصف الرملية، وهذا بعض ما كان يفعله أجدادنا، إقامة عقوم لتجميع المياه في البراري ثم سرعة تصريفها إلى حيث المنافع قبل أن تتحول إلى مستنقعات آسنة، وما لدينا من سدود ثبت أنه لا يكفي فلم لا «تدور» ملايين تصريف السيول لبناء المزيد من السدود النوعية لزيادة مخزوننا المائي؟ الأسئلة الأكثر إلحاحا، لم لا توجد هيئة واحدة تشرف على مشاريع المياه؟ كيف تخلت وزارة الزراعة عنها والماء لب احتياجها، وكيف أوكلتها وزارة الكهرباء والماء إلى شركة خاصة وتوفير الماء صلب عملها. أعلنت الشركة مؤخرا عن تسليم «مقاول» مشروع للخزن الاستراتيجي للمياه بجدة (عكاظ، الأحد الماضي) فإن كان جل عمل الشركة وإيكال تنفيذ مشاريعها إلى مقاولين فهل هذا أمر تعجز عنه وزارتا الزراعة والمياه؟ أتجاوز هذا لأسأل، هل سنسمع من الشركة، مادامت خاصة، أفكارا جديدة عن جلب واستمطار السحب، أو تنشيط عملها في الجنوب حيث تكثر السحب، أو استخدام الطاقة البديلة، الشمسية مثلا، لتكثيف مياه البحر والجو؟ مشاريع الصرف الصحي، على الضفة الأخرى، لا تنتهي مهمتها بالمعالجة الثلاثية ثم تسريب المتحصل إلى الأودية والبحر، كما تفعل شركة مياهنا الخاصة وباستخدام تقنية قديمة، عقوم أجدادنا البدائية (المدينة، 14مايو) الأكمل أن تساق إلى مخازن مطورة للاستفادة منها دوريا. دول أخرى تقدم شركات مياهها الوطنية لسكانها ماء بدرجات نقاء مختلفة، أولها للاستهلاك الآدمي وباقيها للاستخدامات الأخرى، وهو واقع كنا نعيشه حتى عهد قريب لكن يبدو أن الطفرة النفطية أبطرتنا فأصبحنا نصر على جودة مياه كل استخداماتنا. وبمناسبة ذكر النفط، نعلم جميعا أن استخراجه يحتاج كمية ماء ترهق ثروتنا المائية المنخفضة أساسا، فلم لا نخصص نسبة من عوائده لتمويل مشاريع سحب واستصلاح المياه الجوفية وتوليد مصادر مياه جديدة لتعزيز منسوب مياهنا وأن تناط المهمة بهيئة عليا ترعى وتنمي مصدرا لا يمكننا العيش بدونه، وأذكر أني في زيارة لأرامكو طالبت بتطوير أجهزة التنقيب عن النفط للتنقيب عن الماء أيضا، وهي تقنية نملكها ونحسنها.