ساحتنا الثقافية تنمو بتسارع، كل ما كنا نحلم به يتوارد تحققه تباعا، أطروحات تعيد تقييم الموروث الثقافي، أزمات وصدامات فكرية تعيد تقييم مواقفنا الأيدلوجية، خيارات متنوعة في مصادر المعلومات، وبروز للشخصيات الفكرية والثقافية الجديدة وغير المألوفة، إعلام جديد ليس له حدود، مقالات وأفكار من كل المجالات أصبحت مشاعة لكل شرائح المجتمع ولكل فئاته العمرية، ارتفاع في صوت الرفض للتلقين التقليدي المفرغ من قيمة إعمال العقل، اختراق لنماذج الوصاية الاجتماعية المقيدة للحريات، كسر لثقافة الترهيب والتخويف من كل شيء جديد، تصاعد في مستوى الفهم والمشاركة من قبل الجميع، مشاركة مستمرة من الناس في كل مسائل الشأن العام، صدامات وأزمات فكرية عميقة تنتقل حتى إلى داخل الأطر الضيقة من صور العلاقات الاجتماعية، ازدياد لحساسية العقول تجاه الشاذ والمبتذل، هناك إعادة تشكل واضح لكل عناصر الوعي الاجتماعي وارتقاء بمستواه، إعادة صياغة لكامل الشكل الثقافي للمجتمع وإخراجه من كل الأنماط الثقافية القديمة. ورغم كل هذا، إلا أن هناك من يشذ عن كل هذا ويعمل في الاتجاه المعاكس كمعول هدم، يخرج من كل مظاهر الدعوة الرصينة التي يتوجب على الداعي الالتزام بها، يفاجئ حتى علماءه ويجبرهم على إنكار ما يطرحه، يصر على أن يجر الناس إلى أقدم سطحية فكرية عرفتها المجتمعات خلال تطورها، ثقافة مجالس النميمة المليئة بالإشاعات وتشويه السمعة عن الأشخاص لمجرد الاختلاف مع أفكارهم، يعيد الناس إلى ثقافة الإيمان بالأوهام والخرافات والقصص الخيالية لإحكام الوصاية على عقولهم، يستجدي إنصاتهم بالبكائيات في حين، والاستظراف في حين آخر، يحاول إثبات مصداقيته بإدعاء المعجزات ودغدغة عاطفتهم الدينية، يبتز ولاءهم باستفزاز غيرتهم على الدين ونصرة الحق، يثير الصدامات والأزمات حول نفسه بالعبث بكل مقدس وكل منزه من أجل تحقيق الانتشار والجماهيرية، ينصب محاكم لفرز الناس وتفريقهم حسب أخلاقهم، يبتعد عن مظهر الدعوة وتتكرر أخطاؤه، ليس هناك أي مسبح أكثر سوءا من مسبح الابتذال الذي يسبح فيه مثل هذا الشخص.