في صحيح البخاري ورد أن رجلا من المهاجرين ساء رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذاك النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (ما بال دعوى الجاهلية). فقالوا له رجل من المهاجرين ساء رجلا من الأنصار، قال: (دعوها فإنها منتنة). هذا هو التعليق الذي خطر لأهل الوعي والعقل وهم يتابعون تحول قضية شخص واحد إلى موضوع للتهييج والتحزب ودعوى العصبية الجاهلية بين شعبين شقيقين، ومن قبلها شهدنا أمثالا لها هاجت فيها جموع الغوغائيين بدعوى العصبية الجاهلية المنتنة بين شعبين شقيقين بسبب مباراة كرة قدم. وفي تشريح ردة الفعل هذه يتضح وجود طبقتين من القوى الفاعلة فيها؛ طبقة الناس المفتقرين للوعي والنضج الفكري وهم الذين وصفهم الإمام علي بقوله «همج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيؤوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق». وأما الطبقة الثانية الناعقة في تهييج هؤلاء؛ فهي الطبقة الانتهازية التي تريد بناء بطولات في الهواء بزعم رفع راية ما تزعم التعصب له وهي حقيقة لا تبالي به إنما هي انتهازية تركب موجة الانفعالات غير الموضوعية لمآربها الخاصة الأنانية. كل شيء في هذا العالم له جانبه الإيجابي وجانبه السلبي ومن الجوانب السلبية للفضائيات والصحف الخاصة ومواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت أنها لا تتردد في إثارة الفتن وتشويش علاقات الشعوب ببعضها فقط لتحصيل معدلات متابعة أعلى وبالتالي أرباح أكثر ومن بعدها الطوفان، لكن من محاسن مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت أيضا أنها أظهرت دور أهل الوعي والعقل الذين بادروا من الطرفين للتذكير بعمق أواصر الأخوة والثقافة والذاكرة والواقع المشترك رغما عن دعاة الفتنة المنتنة. [email protected]