ليس من الأولويات التي تشغلني، الجدل حول تولي المرأة القضاء، ولست بصدد التصدي للدفاع عن حق للمرأه في ذلك، فالأمر لا يعنيني كثيرا ولا يمثل لي أولوية، ما يعنيني هو الحجج التي تساق لتبرير القول بعدم صلاحية المرأة لتولي القضاء. فكثير من تلك الحجج والتبريرات هي من نتاج عقول سائقيها، وهي في معظمها بعيدة عن العقل والعلم والحق، بل إنها تكشف عن سذاجة فكرية أو مغالطة ناجمة من الانسياق وراء الهوى المائل إلى التقليل من شأن النساء. من هذه الحجج ما ورد في أحد الكتب الصادرة حديثا التي تتحدث عن المرأة والولاية في الفقه الإسلامي (ولن أسمي الكتاب أو المؤلف) لأن الهدف ليس انتقاد شخص بعينه وإنما انتقاد فكر عام يعتنقه معظم المعارضين لعمل المرأة في القضاء. يقول المؤلف في تبريره عدم جواز تولي المرأة القضاء على الإطلاق: «ثم إن القضاء يحتاج إلى زيادة الذكاء والفطنة وكمال الرأي والعقل، والمرأة ناقصة العقل، قليلة الخبرة بأمور الحياة وحيل الخصوم، تغلب عليها عاطفتها ويهيمن عليها نقصان عقلها مما يؤدي إلى التأثير في قضائها»!! يلاحظ في العبارة السابقة كيف أنها لا تقوم على نظرة تجريدية للمرأة وإنما هي تصدر من خلال نظرة تخيلية تعكس ما هو متخيل في ذهن قائلها من صورة للمرأة ماثلة في مخيلته من خلال من يعرف من النساء، فالنظرة التجريدية لا يمكن لها إصدار حكم قطعي بلا برهان بعدم وجود امرأة لها صفة (الذكاء والفطنة وكمال الرأي والخبرة) إلخ ما ظهر في العبارة قصرا على الرجال وحدهم. الحق أن يكون الحكم بصلاحية المرأة للقضاء أو عدمه حكما مطلقا على جنس النساء بشكل عام وليس على نموذج متخيل في الذهن لما تكون عليه المرأة. ولو أردنا تطبيق هذه النظرة التخيلية عند الحكم على الصلاحية للقضاء على الرجال أيضا لقلنا إن الرجل غير صالح للقضاء، لأن مخيلتنا تتزاحم فيها صور الرجال الخالين من الفطانة والعقل والذين يصدرون في أحكامهم عن الهوى والعاطفة بعيدا عن الحكمة وكمال الرأي، ولنا في مدبري السياسات ومنفذي الحروب والحكام الطغاة والمجرمين ومثيري الشغب ومحرضي الفتن وأشباههم أمثلة كثيرة، فهم قطعا لا يصدرون في مسلكهم ذاك عن حكم العقل!! هذا إن كنا نقصد بحكم العقل (الحكم الذي يتوخى العدل) وليس الحكم الذي يبحث عن مصلحة ذاتية. فالأحكام التي تبحث عن مصلحة الذات قد تبدو لأهلها أحكاما عقلية وإن كانت في حقيقتها لا تخرج عن نطاق العاطفة أو هوى النفس؟!. وخلاصة القول، إنه لا جدال في أن الأحكام الشرعية اختلفت في بعض الأمور ما بين الرجل والمرأة كالإرث والشهادة والولاية العامة وغيرها من الأحكام الأخرى، ومتى كانت هناك أحكام ثابتة بنص القرآن الكريم أو السنة النبوية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا اختلاف حولها، فإن هذا وحده يكفي للرضا بها والعمل بمقتضاها من غير حاجة للحذلقة بسياق تبريرات بشرية لايقبلها العقل ويكذبها الواقع. فاكس: 4555382-1 للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة