من مدينة القريات على الحدود الأردنية السعودية، وصلني عبر الهاتف صوت أنثوي مبحوح، تعج نبراته بالهلع «أرجوكم، الحقوا والدتي المريضة على مقربة منكم في مدينة عرعر، أنتم صحفيون مهمتكم نقل المعاناة ليطلع عليها الناس والمسؤولون»، كان الصوت لفتاة شابة طلبت من «عكاظ» زيارة والدتها والاطلاع على حالها. حكاية تتحدث عن صروف حياة وكيف فرقت بين ابنة ووالدتها التي تقضي سنوات عمرها المتأخرة في منزل متهالك وسط مدينة عرعر وحيدة من غير أنيس أو جليس. وشيخة وهذا اسم الأم تعيش وحيدة وقد تجاوز عمرها ال70 عاما في منزل شعبي متهالك وسط مدينة عرعر، تزوجت قبل أكثر من نصف قرن من مواطن سعودي ثم توفي دون أن يصدر لها هوية أو يضيفها في سجله المدني، ثم تزوجت بآخر، لكنها طلقت منه بعد إنجابها 9 من الأبناء والبنات، الذين توفاهم الله جميعا عدا ابنة واحدة هي الأخرى تعاني من أمراض مقيمة في القريات، ولديها عدد من الأولاد والبنات. شيخة العجوز، قالت «أعاني الوحدة، بالإضافة إلى فشل كلوي ينهش جسدي، ومرض السكر الذي أتعاطى له الإنسولين، ومرض ارتفاع ضغط الدم الذي يفاجئني من حين لآخر». والعجوز السبعينية تعيش في وحدتها على ما يقدمه لها أهل الخير الذين يعرفون حالتها ووضعها، ولم تعد تعنيها الهوية «لي معاملة في الأحوال المدنية في هذا الخصوص منذ سنوات، وما يعنيني الآن هو العلاج ليس غيره، خصوصا أنني خائفة من الغرغرينا»، أما سكن العجوز السبعينية فهو حكاية أخرى، فالحديد والخردة في كل مكان والأتربة في كل ناحية، فيما تتوسط إبر الإنسولين المتناثرة والمدفأة القديمة البالية غرفة صغيرة، ناهيك عن الخبز الجاف المتناثر، والأطعمة المكشوفة في كل مكان، غرفة يسودها الظلام، فيها ثلاجة خاوية لا تحوي شيئا، هذا هو حال السبعينية (شيخة).