«لقد كان وغدا، ساقطا، مضمحلا، فصار في غمضة عين فيلسوفا!». بهذا وصف عبقري الرواية العربية (نجيب محفوظ) بطل روايته (القاهرةالجديدة)، وهو وصف يليق بعدد غير قليل من سكان المدن الافتراضية في عالم (الشبكة الجديدة)، حيث يجد ملايين الأشخاص ممن لا وزن لهم ولا كيان على أرض الواقع مكانا وهميا يستوعب شغفهم بمنافسة الببغاوات ليل نهار دون إضافة قول جديد أو التفوه بكلام مفيد، مشكلين ظاهرة تستحق أن تكون وليمة بحثية دسمة لأحفاد الدكتور (داروين) والدكتور (فرويد). وليت ديمقراطية المدينة التويترية اكتفت باحتواء هؤلاء؛ بل بالغت وأسرفت باحتواء قطاع طرق الكلمة، ولصوص الفكر، وقراصنة الرأي، وبقية أفراد قافلة مرضى النفس والوجدان والضمير. وانفجرت نشاطات بعض هؤلاء في الأيام الأخيرة بسطوهم على حسابات عدد من نجوم الفكر والفن والإعلام وحرية الرأي واستغلالها استغلالا ينم عن شخصيات غير سوية نفسيا، تحاول ردم فجوات خطرة في أعماقها الرخوة من خلال قنص حسابات المشاهير ومحاولات تشويه سمعتهم بها. لسنا مع الديكتاتورية الإلكترونية، لكننا في الوقت ذاته لسنا مع الانفلات الذي يبلغ حد الجريمة، والسرقة تبقى جريمة سواء كانت مادية أو معنوية، وأبعاد تلك الجريمة وآثارها على الصعيدين النفسي والمجتمعي لمالك الحساب المسروق تستحق إيجاد قوانين توقف لصوص العالم الافتراضي وقناصة «تويتر» و«فيسبوك» عند حدودهم، وتفعيلها لئلا تسول لهم أنفسهم الاعتداء على حسابات غيرهم أو انتحال أسمائهم باستسهال لا مزيد عليه. أتساءل؛ هل نحن حقا مجتمع بحاجة إلى «عين مراقبة» لتردعنا وتعاقبنا باستمرار لأن أكثرنا ما زال ««تحت خط الفكر»! لماذا لا نقدر هوامش الحرية التي تهبنا إياها الفرص ومنها فرصة التواصل التكنولوجي والإعلام الجديد كي لا نفقدها بطيش تعاملنا معها؟ ومتى سنبلغ مرحلة النضج الحضاري والإنساني الذي يجعلنا نضع أنفسنا مكان أولئك الذين نتعامل معهم؛ لندرك مدى الأذى الذي نتسبب به لهم بسرقة ممتلكاتهم المعنوية؟ أليس بوسع عامة الناس إدراك حرمة هذه الأفعال دون أن يتم النهي عنها خلال خطب الجمعة أو تأليف كتب دينية في فقه «تويتر» وغيره؟! Twitter @zainabahrani