لأننا في عصر آثر الإعلام الإلكتروني فيه أن يفتح نوافذ العالم باتجاه حرية الكلمة؛ لا يسعنا غير تقدير دور الصحف الإلكترونية التي شرعت أبوابها لكل صاحب فكر وموهبة، أو حتى عديمي الفكر والموهبة ممن تتملكهم شهوة الثرثرة لأسباب نفسية تستحق الاحتواء لئلا تتطور إلى نوازع عدوانية أو تخريبية خطرة، لكن مشكلة عدد لا بأس به من تلك الصحف التي أسست فجأة على الشبكة الإلكترونية لتدار بأيدي أفراد غير مؤهلين إعلاميا، وغير ملمين بأهم وأبسط أخلاقيات النشر الإعلامي هي أنها لا تدرك الفرق بين «الحرية» و«الفوضوية». ولفرط شغفهم بما يظنونه «تميزا» و«تجديدا» وفتحا إعلاميا كبيرا، وفي محاولة لإشباع الرغبات العدوانية لدى بعض القراء الذين لا تسمح لهم القنوات الرسمية الرصينة بلفظ تعليقاتهم المسفة ذات اليمين وذات الشمال؛ ينفلت زمام الأخلاقيات الإعلامية الحريصة على مراعاة الذوق الإنساني العام من بين أيديهم، فتذوب على مواقعهم الحدود الفاصلة بين الأدب وقلة الأدب. قبل أعوام قليلة شرعت إحدى الصحف الإلكترونية أبوابها لجميع الكتاب السعوديين، مشهورين ومغمورين، فتأججت شهرتها بأسمائهم. لكن إدارة الصحيفة التي نسيت أو ربما تناست أن أولئك الكتاب هم السبب في شهرتها وجودة أطروحاتها بدأت تفقد أهم أولئك الكتاب وأفصحهم موهبة حين أفسحت الطريق لكل من هب ودب من عديمي الحياء والضمير بإدراج شتائمهم الصريحة تحت المقالات على اعتبارها تعليقات! ومن بين تلك الشتائم إهانات عنصرية فجّة على أكثر من صعيد، وألفاظ تقع تحت عنوان (بذيئة جدا جدا)، وتستحق رفع دعاوى سب وقذف علني فاضح! والطريف السخيف في الوقت ذاته أن أي تعليق يكتب بأيدي القراء لا ينشر إلا بعد اطلاع مشرف الموقع عليه! ما فائدة هذا «الإشراف» إذن ما دام عاجزا عن تأدية دوره في حماية الذوق العام من تلك النفايات اللفظية؟! لسنا ضد الحرية، لكننا نرفض في الوقت ذاته التخلي عن أهم صفاتنا الآدمية المتمثلة في ضبط النظام، والتحكم بغريزة الكلام، لنقف في مواجهة فوضى كائنات أخرى «غير أليفة»، تعجز عن ضبط نفسها بنفسها. [email protected]