أول ما صادفت مقولة أستاذنا الجاحظ بين سطور مقال كاتبتنا القديرة «عزيزة المانع» المنشور على صفحات «عكاظ» الأسبوع الماضي تحت عنوان: «حين يمطر القلم جبنا»؛ قفز إلى ذهني سؤال طريف: ترى كيف سيتصرف صديقنا الجاحظ لو عاد إلى الحياة فجأة في يومنا الحاضر ليجد نفسه وجها لوجه أمام السيد «فيسبوك» والمستر «تويتر» ؟، وماذا سيقول لو فوجئ بهجوم متابعي حسابه التويتري على كل تغريدة تويترية قصيرة يطلقها من جهاز ال « آيفون » الصغير الذي يخبئه في كمه باستمرار بديلا عن معشوقه الكتاب في مجتمع لا يتحقق رضا نصفه إلا بسخط نصفه الآخر؟!. لا يسعنا أن نلومه حينها إن أطلق تغريدة يقول فيها: «وينبغي لمن كتب (تغريدة تويترية) ألا يكتبها إلا على أن الناس كلهم له أعداء، وكلهم عالم بالأمور، وكلهم متفرغ له»، وسأتفاعل أنا بدوري مع تغريدته تلك بتغريدة أخرى أقول له فيها: «صدقت يا أستاذنا الفاضل!» ؛ إذ إن شطرا لا يستهان به من متابعي حسابات المشاهير على تويتر لا يتابعونها إلا للتربص بأصحابها وترقب أصغر زلاتهم لمهاجمتها، وشطر آخر أكبر يثق ثقة جازمة راسخة بأن رأيه وحده هو الصواب بينما رأي الآخرين على خطأ، وما أن يقرأ تغريدة لا تتفق مع مكرساته الفكرية القديمة حتى يغرق الشاشة بطوفان من الشتائم، ويغمر تويتر بسيل من ال «هاشتاغات» الكيدية التي يشحنها بحجج منطقية وغير منطقية مستميتا في محاولات التأكيد على أن ال «مهشتغ» المسكين لا يعرف الفرق بين وجهه وقفاه أو التمييز بين شكل الألف والياء، والشطران متفرغان لتلك الحرب الإلكترونية تفرغا لا علاج له؛ إذ يطلقون التغريدات المضادة بأجهزتهم الصغيرة المحمولة أثناء استحمامهم، وتناولهم الطعام، وخلال الساعات الرسمية للدوام!. ولأن التاريخ يشهد لصديقنا الجاحظ بنفس مرهفة وفكر جريء؛ فلا نستبعد أن يسارع إلى أقرب محل لشراء الهواتف الذكية كي يبيع هاتفه ليقتني بثمنه حزمة من الكتب، متنازلا عن ثورة الإعلام الجديد لشركة المقاولات المتحدة المغلقة التي سيؤسسها أصدقاؤنا العمليون: أشعب، وأبو نواس، والحجاج بن يوسف الثقفي!. [email protected]