مواطنون تتعرض أملاكهم للإزالة لصالح مشروعات تنموية أو خدمية أو تطويرية، ويتم تقدير عقاراتهم تلك تمهيدا لتعويضهم عن أملاكهم المزالة، وهم لا يمانعون في إزالة العقارات لصالح المشاريع التنموية الهادفة للتطوير والتحسين، لكن كثيرا منهم يرون أن هذه التقديرات والتعويضات ليست منصفة أو عادلة، ويبدأون رفضها والتظلم تجاهها، ويتقدمون إلى أروقة المحاكم وديوان المظالم، يتظلمون ويطالبون بالإنصاف. هذه هي الحال السائدة في معظم المناطق، إذ وصلت قضايا التظلم من التعويضات في مكةالمكرمة وحدها إلى 700 قضية منظورة في أروقة المحكمة الإدارية، في ذات الوقت الذي رفض فيه عدد كبير من ملاك العقارات المنزوعة التوقيع بالموافقة على ما تم تقديره لهم من أثمان لعقاراتهم. التعويضات ومشاكلها، قضية نناقشها من مناطق رئيسية في المملكة: لامست قضايا التظلم من أثمان التعويضات المقررة عن العقارات المنزوعة لصالح مشاريع تطويرية في مكةالمكرمة سقف ال700 قضية داخل أروقة المحكمة الإدارية في العاصمة المقدسة، في الوقت الذي رفض فيه ملاك العقارات المنزوعة في الطريق الموازي التوقيع على محاضر اللجنة الجديدة المكونة من ثلاث جهات حكومية هي وزارة العدل والغرفة التجارية، والشركة المنفذة للمشروع، بعد أن أكملت اللجنة مهمتها حيال تقدير التعويضات مجددا لقرابة 3500 عقار منزوعة لصالح المشروع. وأرجع أسامة فرغلي عضو لجنة التقديرات في مكةالمكرمة، ارتفاع نسبة القضايا المرفوعة إلى التأخير في توقيت التقديرات وإجراءات نزع العقارات التي تصل في بعض الأحيان إلى نحو ثلاث سنوات «مما يقود بلا شك إلى رفع تسعيرة المتر خلال هذه المدة»، مطالبا بوضع لائحة تنظيمية تضبط أعمال لجان التقديرات كافة في مختلف المدن. فرغلي أضاف أيضا «تجاوز عدد القضايا المنظورة في المحكمة الإدارية 700 قضية، ووقفت شخصيا على جل تلك القضايا، والحقيقة أن ثمة أحقية في المطالبة لدى المواطنين من ملاك العقارات، فخلال الشهرين الماضيين وقفت لجنة جديدة للنظر في تقديرات الطريق الموازي في مكةالمكرمة، وفي اعتقادي أن التقديرات التي وضعتها اللجنة لم تكن منصفة تماما، إذ إن المتر المربع على الشارع الرئيسي في شارع الحفائر قدر ب25 ألف ريال تقريبا، بينما يصل سعر المتر حاليا إلى نحو 100 ألف ريال، وكان تقديرهم في الأحياء الداخلية ب20 ألفا للمتر فيما يقارب سعره ال50 ألف ريال، وكذلك الحال في مخطط الهدى المنزوع لصالح قطار الحرمين، حيث قدر المتر فيه بقرابة 1500 ريال وهذا بخس واضح، فالمتر يستحق أكثر من ذلك!». وزاد الفرغلي: كنت المسؤول عن العقارات كافة التي نزعت في طريق مكةالمكرمة الليث ووقفت على ألف عقار تقريبا إلى جانب الوقوف على نزع قرابة 1500 عقار لصالح سدود أنشئت في رابغ (سدين)، وفي مدركة ثلاثة سدود، وفي عسفان سد واحد، ومن خلال التجربة تبين لي أن الخلل يكمن في بيروقراطية الصرف حيث تتأخر مستحقات التعويضات لسنوات، وفي هذه الفترة يرتفع سعر العقار ما يقود المواطنين للتظلم وهو حق مشروع لهم. أثمان متدنية لحي الزهارين في حي الزهارين في العاصمة المقدسة، يواجه الأهالي هاجس التعويضات التي يعتبرونها غير مجزية، بعد أن وقع حيهم ضمن مشروع طريق الملك عبدالعزيز الموازي، وبعد إعلامهم بمبلغ التثمين، أبدوا استياءهم جراء هذه التعويضات التي عرضت عليهم، ما حدا بالكثيرين منهم للتوجه لديوان المظالم لرفع لائحة اعتراض على التعويضات التي لم تكن مرضية لهم، مؤكدين أن أكثر المبالغ التي عرضت عليهم لا تمكن صاحب العقار المعوض من امتلاك عقار آخر في أية منطقة في مكةالمكرمة في ظل ارتفاع أسعار العقارات. «عكاظ» التقت عددا من سكان الحي واستطلعت آراءهم حيال ما يواجهونه، وبدأ المواطن جمعان الزهراني من أهالي الحي قائلا «الكثير منا لم يقتنع بالتعويضات التي عرضت، أنا مثلا أمتلك منزلا مكونا من ثلاثة طوابق، وعوضوني بمبلغ مليون و700 ألف ريال، وفي ظل الارتفاع الحاد في أسعار العقار حاليا، فإن هذا المبلغ لا يساعدني البتة على تملك منزل آخر، علما بأنني أعول أسرتين ولا أستطيع العيش في منزل صغير». وأضاف جمعان «قدمت لائحة اعتراض إلى ديوان المظالم على التعويض الذي ثمن به منزلي، وأغلب سكان الحي يواجهون هذه المشكلة مع التعويضات غير المجزية، علما بأن أثمان المنازل الموجودة في الحي تبلغ أكثر بكثير من التعويضات التي ثمنت بها من قبل الشركة المنفذة للمشروع». المدينة: تباين التقديرات وفي المدينةالمنورة أيضا، بلغت إجمالي التقديرات للعقارات المنزوعة لصالح مشروع المطار الدولي ما يقارب 700 مليون ريال، وعدد العقارات المنزوعة ما يقارب 138 عقارا، فيما وصل عدد المعترضين على التثمين نحو 80 في المئة من الملاك، وضمت لجنة التعويضات كلا من حمزة مغربل مندوبا عن هيئة الطيران المدني، عبدالرحمن الحازمي مندوبا عن وزارة العدل، عيد زهيميل مندوبا عن أمانة المدينةالمنورة، عبدالمنعم الأحمدي مندوبا عن وزارة الداخلية، وعبدالرحمن الحلوان مندوب عن وزارة المالية، ومندوبي الخبرة والتثمين جمال فرغل، والمهندس صالح المحسين. وسبق لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد أمير منطقة المدينةالمنورة، أن اطلع على برقية تظلم رفعها لسموه أحد المواطنين من ملاك العقارات المنزوعة لصالح مشروع توسعة المطار، مبينا فيها تظلمه من الأسعار التي وضعت لتثمين عقاره المنزوع، فأجاب أمير منطقة المدينةالمنورة، بأنه يجوز لصاحب العقار التظلم أمام ديوان المظالم تجاه قرارات اللجان والأجهزة الإدارية خلال 60 يوما من تاريخ إبلاغه. واطلع سموه على ملف يعكس التباين غير المبرر في التقديرات المالية للملكيات المنزوعة لصالح توسعة المطار، إثر تذمر عدد من المواطنين من ذلك، كما فتح سموه ملف تجاوزات رصدت على جهات حكومية عدة في تطبيق نظام نزع الملكية والامتثال للأوامر السامية بشأن التقديرات الخاصة بها، فأمر بتشكيل لجنة للتحقيق في تجاوز الأنظمة التي تشدد على أن تكون قيمة التعويض عادلة، وطلب في توجيه إلى الجهات ذات العلاقة الإفادة عاجلا عن المعايير التي تبني عليها اللجان تقديراتها. «عكاظ» تنقلت بين تلك المواقع لرصد مدى الضرر الذي لحق بالملاك بسبب التعويضات غير المجزية في نظرهم مقارنة بالمناطق التي حولهم، أو حتى مقارنة مع أسعار التعويضات قبل نحو 30 عاما، حيث يرى عدد من الملاك أن التعويضات المقررة لا تتناسب مع القيمة الحقيقية والفعلية للعقارات المنزوعة. وجاءت ردود أفعال ملاك أراضي توسعة مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي في المدينةالمنورة في حديثهم ل«عكاظ» معبرة عن عدم رضاهم مما يحدث، مستغربين ما أسموه ب«التأخير المتعمد» من قبل هيئة الطيران المدني، خصوصا أن أغلبهم أنهى الإجراءات اللازمة كافة، وتقدم بالمخالصات من الجهات المعنية، مؤكدين تضررهم من افتقاد التثمين لأهم عناصره وهو العدالة السعرية التي نصت عليه أول مادة في نظام نزع الملكيات بحسب قولهم، حيث إن الأسعار المعتمدة ما بين 4560 ريالا للمتر الواحد على رغم أن سعر المتر في المنطقة المحيطة بهم زاد على 600 ريال للمتر الواحد، مؤكدين على أنهم يرغبون بتسليم الأراضي والعقارات للهيئة حتى يتفرغوا للمطالبة بما لهم عبر القنوات الرسمية، وذلك بعد مرور عام ونصف العام على وقوف اللجنة على أملاكهم ومنعهم من التصرف بها منذ عشرات السنوات. وأوضح المواطن سالم الثقفي ل«عكاظ»، أن اللجنة المكلفة بالتثمين «وقفت على أراضينا منذ عام ونصف العام تقريبا وكانت بكامل أعضائها، لكن خلافا حصل بين أعضاء الخبرة بشأن تحفظهم على الأسعار المطروحة، لذا تم استبدالهم بعد مرور سنة ونصف السنة بعضوين آخرين رغم تأكيد الغرفة التجارية رفضها ذلك بخطابات رسمية بعد تلقيها خطابا من فرع مالية المدينة بطلب تغيير أعضاء الخبرة استنادا إلى تكليف صادر في عام 1428ه، ومع هذه المخالفة كان يجب على الأعضاء الموقعين الوقوف على العقارات مع الملاك والشاغلين حسب نصوص النظام، إلا أنهم تجاهلوا ذلك ووقعوا بالموافقة على هذه الأسعار المجحفة»، وأضاف «هل هناك من يتصور أنه سيجد أرضا بقيمة 40 ريالا للمتر في المدينةالمنورة وفي منطقة لا تبعد أكثر من عشرة كيلومترات عن الحرم النبوي؟، علما بأن هناك أراضي تبعد عن المدينة نحو 100كيلومتر، ويصل سعر المتر فيها إلى 200 ريال في الوقت الذي تلاصق أراضينا العمران وتثمن ب40 ريالا للمتر الواحد». من جهته، استغرب المواطن محمد بخيت العوفي الذي يملك أحد المواقع المنزوعة لمشروع توسعة المطار السعر الذي ثمن به عقاره «هذه الأراضي استنزفت من أموالنا الشيء الكثير، ونحن نستغرب مثل هذا السعر غير المنطقي، خصوصا أن منطقتنا محاطة بأربعة مخططات سكنية وهي المطار والأمير تركي والعوينة والعاقول، التي وصلت فيها الأسعار فيها إلى ما يفوق ال600 ريال للمتر، إذ لا يفصل بين موقع تلك المناطق وموقعنا سوى شوارع بعرض لا يتجاوز عشرة أمتار»، واستطرد متسائلا «هل من الأنصاف أن أتنازل عن أرضي ب40 ريالا لأبحث عن أخرى ب600 ريال للمتر؟، فيما أكد حبيب الحبيب وهو مستثمر عقاري، أنه وبصفته مستثمرا عقاريا، اشترى قطعة أرض في المنطقة منذ سنوات، وكان يرغب في تحويلها لمخطط سكني، لتكون استثمارا رائدا «إلا أننى فوجئت بتنفيذ المشروع، وفوجئت أكثر بأن السعر الموضوع لا يساوي ربع ما تستحقه المنطقة»، وأشار إلى أن «المحضر الخاص بالتقدير يتضمن الكثير من العيوب الإدارية شكلا وموضوعا». إعادة لقضية باب التمار وفي الوقت الذي تقرر فيه نزع 13 عقارا لصالح إنشاء مشروع مستشفى الأنصار الجديد في المدينة، رفض جميع ملاك العقارات أيضا التعويضات المقررة من قبل اللجنة التي قدرت ب30 ألف ريال للمتر، وكانت مبررات الرفض أن المناطق المحيطة ب(حي الإجابة) مثلها مثل المنطقة المركزية التي لا يفصلها عن منطقة مستشفى الأنصار الجديد سوى طريق الملك فيصل، ويقدر سعر المتر فيها ب200 ألف ريال. وأوضح عبدالرحمن السويلم ل«عكاظ»، وهو أحد ملاك العقارات المنزوعة ملكيتها لصالح مستشفى الأنصار الجديد «قيمة التعويض المقرر من قبل اللجنة لا تتوافق مع أسعار الأراضي المحيطة بالمنطقة، حيث إن هذه الأسعار عرضت علينا قبل نحو 15 عاما، ولم نفضل حينها بيع العقارات»، وأضاف السويلم أن المحكمة الإدارية في المدينةالمنورة «ألزمتني بإحضار تثمين معتمد من قبل أرباب الخبرة، وبالفعل أكد المثمنون أن القيمة الفعلية والحقيقية للأراضي في هذه المنطقة تستحق في هذا الوقت 65 ألف ريال للمتر الواحد»، مضيفا «ما يحصل الآن في عقارات حي الإجابة، هو مشابه لقضية باب التمار الشهيرة قبل نحو ثلاثة أعوام، التي أنصف فيها القضاء ملاك العقارات فيها بالتعويض المجزي». عسير: إخلاء قبل التثمين ونصل إلى عسير، حيث طالب عدد من أصحاب الملكيات المنزوعة في أبها بالعدالة والإنصاف في صرف التعويضات المجزية التي تتناسب مع قيمة عقاراتهم، وطالبوا بإعطائهم مهلة مناسبة؛ كونهم مرتبطين بعقود طويلة الأجل، وأن عقاراتهم تقع في مواقع حيوية ومجدية للاستثمار، خصوصا في هذه المدينة السياحية الحيوية (أبها)، التي تشهد طفرة نوعية في التطور والتنمية الاقتصادية والسياحية.