المقصود ب «هؤلاء» مرضى نقص المناعة المكتسب (الإيدز ) من الوافدين (الأجانب) ممن يقيمون في هذه البلاد لسنوات طويلة حتى أن بعضهم قد يكون مولودا هنا وينشأ دون معرفة أي وطن آخر له. عندما يصاب بعض «هؤلاء» بمرض الإيدز فإنهم يحملون الفيروس المسبب له لفترة طويلة قبل ظهور أعراض المرض، وعندما لا تتاح لهم سبل العلاج، كما هو الوضع حاليا، فقد ينتشر منهم المرض إلى غيرهم من الوافدين أو حتى المواطنين. أقلية من الوافدين المصابين يتم اكتشاف إصابتهم، وفي هذه الحالة تقتضي الإجراءات المتبعة ترحيلهم إلى بلادهم.. إذا سألت وزارة الصحة في أي وقت عن أعداد المصابين بالإيدز في بلادنا فستقول لك إن أغلبهم (ثلاثة أرباعهم تقريبا) هم من الوافدين، وأن هذه النسبة لم تتغير كثيرا منذ سنوات أي أن أثر سياسة «الترحيل» المتبعة عندنا في الواقع محدود أو ضعيف، وإلا كان المفروض أن تتقلص نسبة هؤلاء المصابين الأجانب، خاصة في ضوء الإجراءات المشددة المتبعة للكشف على كل العمال القادمين قبل وبعد وصولهم إلى المملكة وعند تجديد إقامتهم. كما أن استمرار وجود نسبة عالية للمرض بين الوافدين يرجح أن كثيرا من إصاباتهم تحدث محليا. الكثير من الدول المتقدمة التي كانت تعتمد على سياسة الترحيل والكشف الإجباري ألغتها واستبدلتها بسياسة الكشف الطوعي والعلاج التي أثبتت أنها أكثر فاعلية. المنظمات الصحية الدولية أيضا ترى عدم فاعلية الترحيل والكشف الإجباري في مكافحة المرض وتعتبرهما مخالفين لحقوق الإنسان.. المهم بالنسبة لنا هو اختيار أجدى السبل في مكافحة المرض ووقف انتشاره، وقد أصبح علاج المصابين، مع كافة السبل الوقائية الأخرى المعروفة، من أهم مقومات مكافحة المرض. العلاج المنتظم أثبت فاعليته في وقف تكاثر فيروس الإيدز، وهو يمنع، بمشيئة الله، انتقال العدوى من المصابين إلى الأصحاء ويعتبر بذلك أيضا من سبل الوقاية المهمة. تكاليف العلاج حاليا، انخفضت كثيرا عن السابق. ولكن الدواء غير متاح في بلادنا إلا للمواطنين الذين تتكفل الدولة، رعاها الله بعلاجهم في مستشفيات حكومية محدودة وليس في مقدور المصابين الأجانب الوصول إلى العلاج إلا في حالات استثنائية قليلة. وحتى نصل إلى العلاج ينبغي اكتشاف المصابين الذين لا تظهر عليهم أية أعراض، ويتطلب ذلك تشجيع جميع المعرضين للعدوى على الكشف عن أنفسهم. وإذا كان الكشف يشكل تهديدا للوافدين بالترحيل فمن المتوقع أنهم سيمتنعون عن الكشف على أنفسهم أو سيتعمدون إخفاء إصابتهم. وهكذا يتزايد انتشار الإصابة بالفيروس في الخفاء. أليس من الأفضل لنا أن نتيح فرصة العلاج لهؤلاء حتى تقل فرصة انتشار المرض إلى غيرهم؟. طرحت هذا السؤال على معالي وزير الصحة الدكتور عبد الله الربيعة خلال الندوة التي عقدتها جريدة عكاظ لمعاليه مؤخرا، وأحال معاليه الإجابة إلى سعادة وكيل الوزارة الذي أفاد بأننا لازلنا بصفة عامة نعتمد سياسة «الترحيل» للوافدين المصابين.. يبقى السؤال: من يتحمل تكاليف علاج المصابين الأجانب؟، في اعتقادي أن نسبة كبيرة من الوافدين يستطيعون تحمل تكاليف علاج أنفسهم حيث إن أغلبهم يعملون ويتمكنون من تحويل نسبة كبيرة من دخولهم إلى بلادهم. ولا شك أن انخفاض أسعار أدوية الإيدز في السنوات الأخيرة وتوفر أدوية جنسية رخيصة يساعد على توفير العلاج بأسعار معقولة. ومن المحبذ أن يتم تأهيل عيادات مناسبة وأطباء مؤهلين في القطاع الخاص لعلاج المصابين من الوافدين حتى لا يزيد العبء على المستشفيات الحكومية. على أن يتم الإشراف من قبل الجهات المختصة على طرق العلاج والأدوية المستعملة. وأخيرا.. فإن إتاحة العلاج للوافدين قد تكون من أهم سبل مكافحة الإيدز في بلادنا التي لن نعطيها الاهتمام المستحق.