تحيي الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الإيدز في جدة هذا الأسبوع مناسبة اليوم العالمي للإيدز من خلال ندوة تقيمها تحت عنوان «الإعلام والإيدز»، حيث يتحدث لفيف من الإعلاميين البارزين والمسؤولين الصحيين والاجتماعيين عن الخطاب الإعلامي في مجتمعنا ودوره في مكافحة هذا الوباء. لا شك أن اختيار الموضوع مناسب لسببين أولهما، الدور الأساسي الذي يلعبه الإعلام في مكافحة هذا المرض، وثانيهما، وهذا رأيي الشخصي ولا يعكس بالضرورة أيا من طروحات الندوة التي لم أستمع إليها عند كتابة هذا المقال، أن خطابنا الإعلامي في مجمله لم يواكب التطورات الإعلامية الكثيرة التي حدثت بخصوص الإيدز في دول العالم الأول والتي تعكس التغير الكبير في طريقة التعامل مع المرض، بل استمر يعكس الوضع تقريبا كما كان عليه منذ بداية الوباء أي قبل أكثر من خمس وعشرين سنة، وهو بهذا يتمشى مع موقف مجتمعنا الذي لايزال مبنيا على التخوف الشديد من المرض والإنكار له والتهرب من المصابين به. صحيح أنه تظهر في صحفنا تحقيقات جريئة يتم فيها نقل صور واقعية عن المصابين بالمرض و إظهار معاناتهم الفائقة الناتجة بسبب رفض المجتمع لهم أو فقدانهم وظائفهم وانخفاض دخولهم مع طلب الدعم لهم والحث على التعاطف معهم خاصة إذا كانوا من الفئات «البريئة» مثل الزوجة المصابة عن طريق زوجها والأطفال المصابين عن طريق أمهاتهم أو الذين أصيبوا بسبب الدم الملوث. عدا ذلك يستمر إعلامنا في تصوير مريض الإيدز كشخص مطارد منبوذ، شخص محكوم عليه بالموت البطيء، شخص مجهول الصورة والهوية. شخص ترفضه حتى بعض المستشفيات وأحيانا يلقى به في الشارع، شخص يجب ترحيله في أقرب فرصة إذا كان من الوافدين أو الحرص من الأساس على منعه من الدخول إلى البلاد بشتى الوسائل. على عكس ذلك مريض الإيدز في الإعلام العالمي خاصة الغربي أصبح يظهر في كل محفل، لا يخجل في كثير من الأحيان عن الكشف بنفسه عن هويته أو طريقة إصابته، ولكن ليس لأحد الحق في إجباره على ذلك، له حرية الحركة والإقامة والعمل حيثما شاء، يحضر الندوات والمؤتمرات مطالبا بكامل حقوقه. يعيش حياة عادية مديدة إلى حد كبير، ويتلقى كافة أنواع الرعاية والدعم من الدولة والمجتمع، وكثيرا ما يكون من المشاهير أو ممن يشغلون وظائف مرموقة. كان الإعلام الغربي في بداية الأمر شبيها بإعلامنا، ولكنه واكب بسرعة المتغيرات العلمية الحديثة المتمثلة في تحديد سبب المرض وطرق الإصابة به وكيفية تجنبه وكذلك اكتشاف العلاج الذي يوقف تقدمه ويقلل من مضاعفاته بحيث يمكن التعايش معه كمرض مزمن وليس كعدوى قاتلة. في ذات الوقت بقي إعلامنا، كما أسلفت، تقريبا على ما كان عليه. لا ألوم إعلامنا كثيرا لأنه في الواقع يعكس الشعور السائد في مجتمعنا بالنسبة لهذا المرض. مجتمعنا لايزال إلى حد كبير يعتبر مرض الإيدز «خطيئة» جنسية تستحق العقاب الشديد. فيما عدا الفئات «البريئة» التي ذكرتها أعلاه» بينما العالم ينظر إليه كأي مرض آخر يتوجب علاجه والسيطرة عليه ولم يعد يهتم كثيرا بطريقة الإصابة بالعدوى. لازال مريض الإيدز عندنا شخصا يخاف منه الناس، لايرتاحون للحديث معه أو الجلوس بجانبه أو العمل معه متوجسين من احتمال نقله العدوى إليهم، بينما أصبح مريض الإيدز في الخارج شخصا عاديا تكفل له الأنظمة كامل الحرية في الحركة والعمل دون تطفل أو فضح لإصابته. فحص الإيدز عندنا في المستشفيات والمراكز الصحية لازال يتطلب إثبات الهوية والتبليغ عن المصابين للجهات الصحية ولذوي المريض، وما يتبع ذلك من «فضيحة» و «وصم». يستثنى من ذلك مراكز المشورة والفحص الطوعي (السري) التي أنشئت أخيرا ولازال دورها محدودا، بينما فحص الإيدز في الخارج أمر سري وشخصي لا يحق لأحد كشفه إلا بإذن المريض. الوافدون للعمل في بلادنا يفحصون قبل مجيئهم وبعد وصولهم وعند تجديد إقامتهم ويتم ترحيلهم فور اكتشاف إصابتهم. وبينما لايزال يشاركنا في مثل هذه الإجراءات 59 دولة أخرى، ألغت كثير من الدول المتقدمة هذه التنظيمات بناء على توصيات هيئة الأممالمتحدة الأخيرة التي تعارض وضع قيود على حركة أو إقامة المصابين بالإيدز أو ترحيلهم إلا في حالة صعوبة توفير العلاج لهم في الدول التي يعملون فيها. كندا، على سبيل المثال، تطلب فحص الإيدز من الطلبة الأجانب الذين يذهبون إليها للدراسة، ولكنها لم تعد تمنع المصابين بالإيدز من الدخول إذا كانوا بصحة جيدة ويخضعون للعلاج وأثبتوا قدرتهم على تحمل تكاليفه. بلادنا أدخلت فحص الإيدز قبل الزواج بطريقة إلزامية، بينما أغلب دول العالم تحث عليه فقط بطريقة طوعية، مع تحميل المصابين مسؤولية إعلام شركائهم الجنسيين بإصابتهم وتوعية الجميع باتباع طرق الوقاية السليمة. أقول هذا من باب إيضاح كيفية اختلافنا عن دول العالم الأول في مواجهة وباء الإيدز، وأعتقد أن نظرتنا لازالت مجحفة بمرضى الإيدز وقاسية عليهم وأنه يمكن أن تكون أكثر إنسانية وأن أنظمتنا يمكن أن تكون أكثر موضوعية وتمشيا مع توصيات الهيئات الصحية العالمية. وأنه يمكن لإعلامنا ،بنقله الصورة الصحيحة للوضع الحالي للمرض وطريقة التعامل معه في الدول المتقدمة أن يلعب دورا قياديا في تصحيح طريقة تعاملنا مع الوباء ومع مرضاه. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة