بينت آخر دراسة تم الإعلان عنها في الأسبوع الماضي، ويطلق عليها (HPTN 052)، أن الأدوية المستعملة لعلاج الإيدز تحد بصورة كبيرة من انتقال الفيروس من شخص مصاب إلى آخر عن طريق الاتصال الجنسي بين الرجل والمرأة. بدأت هذه الدراسة التي دعمت من قبل وزارة الصحة الأمريكية في عام 2005، وكان مقررا لها أن تستمر حتى 2015، إلا أن نتائجها الباهرة حثت اللجنة المستقلة المشرفة عليها على إنهائها والإفصاح عن النتائج في الوقت الحاضر وذلك لكي لا يتأخر أي من المشاركين في تلقي العلاج. شملت الدراسة 1763 ثنائيا من الأزواج التي يكون أحد الطرفين فيها مصابا بفيروس الإيدز والآخر خال من الإصابة. وتبين أن انتقال العدوى بين الطرفين انخفض بنسبة 96 % عند الأزواج التي تناول فيها الطرف المصاب العلاج مقارنة بتلك التي لم يتناوله. أجريت الدراسة في تسع دول هي بوتسوانا، البرازيل، الهند، كينيا، مالاوي، جنوب أفريقيا، تايلاند، الولاياتالمتحدةالأمريكية، وزمبابوي. وقد بدأ علاج الأشخاص المصابين في هذه الدراسة قبل أن ينهار مستوى المناعة عند المصابين إلى الحد الخطر الذي ترتفع عنده الإصابة بأعراض المرض مثل الأخماج الانتهازية. ولا يمكن الاستدلال من نتائج هذه الدراسة على أن الوضع سيكون مشابها في حالة الاتصال الجنسي الشاذ بين المثليين، بل إن ذلك سيتطلب دراسة أخرى. أما الأدوية التي استعملت في علاج المصابين فقد شملت ثلاثة أدوية مجتمعة يتم اختيارها من بين أحد عشر دواء من الأدوية المستعملة في علاج الإيدز. وخلال فترة الدراسة تم حث جميع المشاركين، سواء من المجموعة التي تلقت العلاج أو تلك التي لم تتلقه (المجموعة الضابطة) على اتباع أساليب الوقاية الأخرى من الإصابة مثل تجنب العلاقات الجنسية الإباحية واستعمال الواقي الذكري، كما خضعت المجموعتان، المعالجة وغير المعالجة، لنفس المستوى من الرعاية الصحية ولكن هذه الإجراءات لم تمنع حدوث 27 حالة في المجموعة التي لم تتلق العلاج مقارنة بحالة واحدة فقط في المجموعة التي تم علاجها. وهكذا تثبت هذه الدراسة أن العلاج المتوفر حاليا ضد فيروس الإيدز يشكل وسيلة فاعلة للحد من انتقال العدوى من الزوج المصاب إلى الزوجة أو العكس. أي بالاتصال الجنسي بين الذكور والإناث. وتضيف هذه النتائج بعدا جديدا في التعامل مع مرضى الإيدز وأملا للمتزوجين منهم في إمكانية أن يحافظوا على علاقاتهم الأسرية بصورة اعتيادية إذا رضي الطرف الآخر، غير المصاب، بذلك. كما تضع على الطرف المصاب مسؤولية تلقي العلاج والالتزام الكامل باستعماله بانتظام، مع ضرورة المتابعة مع الطبيب المختص تجنبا لأي انتكاسات قد يسببها تولد المقاومة لدى فيروس الإيدز. سابقا تبين أن انتقال الفيروس من الأم المصابة إلى طفلها ينخفض بشكل كبير عند علاج الأم قبل الولادة، بالإضافة إلى علاج المولود بعد ولادته، وهو ما يتيح الفرصة لخفض الإصابة بالإيدز، بمشيئة الله، بين الأطفال بشكل كبير. أما النتائج الأخيرة فتتيح الفرصة لمرضى الإيدز لإنجاب أطفال أصحاء. وفي الواقع لم تكن هذه النتائج متوقعة لسببين أولهما أن علاج الإيدز ليس قاطعا وهو، حتى الآن، لا يؤدي إلى الشفاء التام من المرض. وثانيهما أن فيروس الإيدز، رغم العلاج، يبقى كامنا أو مختبئا في الجسم ويمكن أن يعاود نموه عند الانقطاع عن العلاج أو تولد مقاومة لدى الفيروس. النتائج الأخيرة تعني أن مرض الإيدز لم يعد ذلك المارد الذي يدمر حياة المصاب الأسرية أو الاجتماعية كما كان عليه الحال في بداية الوباء، وأن الوباء فقد سيطرته على أهم وسيلة له للانتشار وهي الاتصال الجنسي بين الرجل والمرأة. كما تساهم هذه النتائج في رد الاعتبار لمرضى الإيدز باعتباره مرضا يمكن التعايش معه في كافة نواحي الحياة. وقد كان تحديد وسائل انتقال المرض بطرق علمية السبيل للحفاظ على حقوق مرضى الإيدز وعدم منعهم من ارتياد مناطق التجمع أو الالتحاق بكافة الهيئات المجتمعية مثل المدارس والجامعات والعمل في مختلف المجالات، مع استثناءات معدودة، حيث إنهم لا يشكلون مصدرا للخطر لغيرهم في هذه الأماكن. المشكلة المتبقية تكمن في أن كثيرا من المصابين بعدوى الإيدز يبقون غير عارفين بإصابتهم لسنوات طويلة، ربما يشكلون خلال هذه الفترة مصدرا لنقل العدوى للآخرين إذا ما مارسوا السلوكيات الجنسية الخطرة معهم. ولذا يجب التركيز في المرحلة القادمة على تشجيع هذه الفئة على القيام بفحص نفسها والتعرف على إصابتها. هل تؤثر هذه النتائج على الإجراءات المتبعة في بلادنا لمكافحة مرض الإيدز؟، لاشك أن هذه النتائج تبين بوضوح أن التركيز في مكافحة الوباء ينبغي أن يكون على إتاحة العلاج الفاعل لجميع المصابين خلال كافة مراحل المرض، بل منذ بدايته، وهذا يعني أنه ينبغي تشجيع أسلوب التوعية والفحص الطوعي بطريقة تحفظ السرية والخصوصية بين جميع الفئات التي تتعرض للإصابة بالمرض لكي يكتشف المصابون إصابتهم ثم يسعوا للعلاج لحماية أنفسهم من مضاعفات المرض ولمنع انتقال العدوى لغيرهم. وسوف يكون الفحص الطوعي السري أجدى من الفحوص الإلزامية (مثل فحص ما قبل الزواج أو ما قبل الالتحاق بعمل ما أو خلاف ذلك)، التي تؤدي إلى التخويف وبالتالي التسويف والتهرب. ومن الضروري على الجهات المختصة مراجعة الطريقة الحالية في مكافحة الوباء بين أفراد العمالة الوافدة، تلك الطريقة التي تعتمد على الكشف الإلزامي والترحيل للمصابين، ومقارنة جدوى هذه الطريقة بتشجيع الفحص الطوعي وإتاحة العلاج للمصابين، وهي الطريقة التي اقتنعت بها أغلب دول العالم المتقدم والتي تثبت نجاحا أكبر وأكبر، مما بدأ ينتج عنه انحسار للمرض في كثير من تلك الدول بينما لا يزال الوضع يراوح مكانه في دول أخرى، من بينها، للأسف، نحن. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة