السبيل.. الحي الأصيل الذي يمثل جزءا من هوية جدة وعبقها تأسس قبل 7 عقود، وحمل من اسمه المعاني والقيم مع ما تبقى من ذكريات تاريخية وثقتها قطرات مياه الكنداسة التي تتيح للمتجول في ممراته العودة بالذاكرة إلى ماض ليس بالقريب ليكون في قلب ذاك الزمن، وكأنه ينظر إلى وجوه السقاة ومراكز العمد فتتواتر ذكرياتها مصحوبة بأنغام الطرب الأصيل والبساطة التي كانت تشد عرى التواصل والتعاضد بين أبناء الحي الواحد. ولا يزال ساكنوه من كبار السن مرتبطين به مكانا يسترجعون فيه أيامهم الخوالي على أديم الطريق وأحلام طفولتهم لساعات طوال رغم رحيل الزمان وتباعد الأيام. الغرباء غالبية العم عبدالله حكمي، أحد قدامى السكان في السبيل يسترجع شريط ذكرياته ويقول: الحي يعتبر جزءا مهما من تاريخ جدة، ومعظم الشخصيات الأدبية والفنية والعلمية والرياضية في المجتمع الجداوي خرجوا منه، والكثير منهم لا يزالون يأتون إلى هنا أسبوعيا برغم رحيلهم إلى أحياء أخرى، يأتون لإنعاش الذكريات وإعادة الصلات بالأقارب والأصدقاء والجيران القدامى. ويشير حكمي إلى أن السبيل كان قبل أربعة عقود أهم أحياء جدة ومركزا للمحلات التجارية والخدمية إلا أن الوضع تغير بعد الطفرة ومع ظهور المخططات السكنية شمالا والتي استقطبت عددا كبيرا من أبناء الأحياء الجنوبية وحلت مكانها العمالة الوافدة في بعض مساكن الأسر التي انتقلت شمالا وبات الغرباء غالبية. حارة المليون طفل العم علي عبدالله رجل في العقد السادس، يرى السبيل بكل ما فيه بحيرة ذكرياته التي لا يستطيع العيش بعيدا عنه برغم ظروفه المالية رفض مغادرة السبيل.. ويقول «أبنائي جميعهم أصبحوا من سكان أحياء الشمال بعد زواجهم وكثيرا ما ألحوا علي لأنتقل معهم إلا أنني تمسكت بمنزلي وجيراني». ويشير العم علي إلى أن روابط القربى والتواصل التي يتضاءل وجودها بشكل لافت في أحياء جدة الشمالية لا تزال سمة مميزة لأبناء السبيل من خلال تعاونهم في أفراحهم وأحزانهم وتعهد بعضهم البعض، ويتمنى العم علي أن تراعي مشاريع التطوير المواقع الشهيرة في حي السبيل كالبازان وسوق اليمنى وحارة المليون طفل، بحيث يتم إضفاء لمحات التطوير عليها دون المساس بالعنصر الأساسي، لتبقى رائحة الماضي الجميل موجودة في تشكيل معماري يوائم بين الحديث والقديم. وأبدى العم أحمد أبو ناصر بعض العتب على ملاك المنازل الذين ساهموا بصورة غير مباشرة في توفير ملاذات «آمنة» للمتخلفين والمنحرفين الذين يمارسون أنشطتهم المشبوهة في أزقة السبيل الضيقة التي تساعدهم على التخفي من الجهات الأمنية والرقابية، وأكبر دليل على ذلك طبقا للعم أحمد ما يتداوله الجميع من روايات عن انتشار باعة السموم والمتعاطين وممارستهم لسلوكهم الإجرامي في وضح النهار بلا حسيب أو رقيب مع تفشي ظواهر لم تكن معروفة أصلا. مستودعات ومخابئ يقول ماجد درويش: نعاني من تنامي العمالة خصوصا الأفريقية التي استغلت بعض الأحواش كمستودعات لتخزين الحديد والمعادن والبلاستيك وسبق وأن رفعنا شكاوى للجهات المعنية تتمحور حول الظاهرة وزودناهم بملاحظات أخرى كانتشار النفايات وطفوحات مياه الصرف الصحي. وفي المقابل ندرة الأعمال المخصصة للنظافة، وطلبنا تطوير الحي إلا أننا لم نجد تجاوبا. ويزيد درويش: إن الحي يحتوي على عدد كبير من المنازل المهجورة التي عملت فيها التصدعات ندوبا كبيرة في جدرانها ونخشى انهيارها بالإضافة إلى استغلالها من قبل المجهولين للتخفي عن أعين الجهات الأمنية. ويؤكد ماجد درويش أن المشاريع التي أعلنتها أمانة جدة لإعادة تطوير الأحياء القديمة والدعم الكبير لهذه الخطوة من سمو أمير المنطقة ستؤتي نتائج إيجابية لمعالجة هذه السلبيات التي تضر بمقدرات الوطن الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. ويشير إلى ارتياح جميع أبناء السبيل لهذه المشاريع وعزم عدد منهم على المشاركة فيها حسب ما أعلنت عنه الجهة المطورة والاستفادة من أموال التعويضات في الحصول على سكن ضمن المجمعات الجديدة بعد الانتهاء من أعمال المشروع. معالجة الأوضاع مصدر في أمانة جدة أكد حرص الأمانة على معالجة أوضاع الأحياء العشوائية ومتابعتها من خلال «إدارة شؤون المناطق العفوية». وبحسب المصدر أن حي السبيل مشمول بمشروع منطقة خزام وتبلغ المساحة التي يغطيها مشروع التطوير 3.720.000 متر مربع، وتشمل المناطق العشوائية أحياء السبيل والنزلة اليمانية وجزء من حي البلد والقريات وتغطي مجتمعة 55% من المساحة الإجمالية التي سيتم تطويرها وتجديدها وفق المخطط العام.. بطريقة متجانسة تحترم معايير التخطيط والمتطلبات الأساسية للحياة الآمنة والكريمة وفيما يتعلق بأسباب تأخر البدء الشامل لأعمال التطوير في مشروع منطقة خزام. وعما إذا كانت هناك عقبات تقف في طريق تنفيذه أشار المصدر إلى أن عدم تجاوب الملاك مع الفرق المساحية وامتناعهم عن تقديم وثائقهم ومستنداتهم وتوفير المبالغ اللازمة للتعويضات أسباب أدت إلى التأخير، ويجري العمل لحل هذه الملاحظات بشكل كامل لتنطلق بعد ذلك عملية التطوير والبناء.