الثابت الوحيد في الأزمة السورية أن الأسد لن يستمع إلى المجتمع الدولي، ولا حليفته روسيا ولا إيران، لأن أي قبول بنصيحة سياسية في هذا الوقت الحرج خصوصا على الناحية العسكرية سيكون نهاية ميكانيك النظام. يدرس النظام السوري عدة سيناريوهات لمواجهة الأزمة، السيناريو الأول بات مفضوحا وبشكل جلي وهو لعبة الوقت عبر الحوار المتقطع مع المبعوث الأممي كوفي عنان، وكانت الرسالة العاجلة التي بعث بها وزير الخارجية وليد المعلم إلى كوفي عنان والتي يبدي فيها استعداد النظام إعادة نشر القوات، استباقا لجلسة مجلس الأمن نوعا من اللعب على حافة الهاوية، إلا أن هذا الأسلوب لم يعد ينفع خصوصا بوجود خبير دولي في النزاعات مثل كوفي عنان، وأزمة ذات أبعاد جيوسياسية، يتحتم حلها آجلا أم عاجلا. فضلا عن أن تسارع الحراك الثوري في الداخل السوري أحبط كل محاولات النظام في شراء الوقت، فالشعب السوري قلب المعادلة الأمنية للنظام التي كانت ترى أن شدة القمع تضعف الحراك، لكن الخطأ الجسيم الذي ارتكبه النظام هو الإفراط في استخدام القوة الذي بلور الطاقات الشعبية إلى ثورة حقيقية. والسيناريو الثاني، ينبع من ضعف المجتمع الدولي في التعاطي مع الملف السوري، خصوصا أن النظام نجح حقيقة في تخويف المجتمع الدولي بالتهديد بالمزيد من القتل، ويعتمد في ذلك على الاستهانة بالقيمة الإنسانية وخرقه كل اتفاقيات الحرب والقتال في التعامل مع المدنيين، أمام هذه الحالة تبدو الحرب محسومة وغير متكافئة في ظل مجتمع دولي ينأى بنفسه عن التدخل العسكري، ويتردد في منح المعارضة السلاح الذي طالما أكدوا في أكثر من مرة أنه للدفاع عن النفس، وفي أكثر من مرة عبر أعضاء في المجلس الوطني السوري عن مخاوفهم في أن يتحول المجتمع الدولي من مرحلة حل النزاع إلى إدارته. السيناريو الثالث، انهيار الدولة السياسي والأمني؛ ففي بداية الأزمة السورية راهن الكثير في الخارج والداخل وحتى في أوساط الجامعة العربية على الانقلاب العسكري من داخل المؤسسة العسكرية، مستدلين على هذا الأمل بتاريخ سورية الانقلابي طوال العقود الأولى من تأسيسها، وحتى الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية تأخرت في فرض العقوبات على كبار الضباط في الجيش بينهم وزير الدفاع السابق علي حبيب، والحالي داوود راجحة إلا أن هذا لم يحدث ويبدو أنه لن يحدث على المدى المنظور، واستمر الأسد في الحرب التي قررها منذ اللحظة الأولى للثورة. وهو يدرك أنه لا خيار أمامه إلا باستخدام القمع المفرط ضد المتظاهرين أيا كانت النتائج، فنجاح المعارضة مهما كان ضئيلا إلا أنه يدفع المجتمع الدولي إلى دعمهم، لذلك يفرط الأسد بكل ما أوتي من قوة لسحق حركة الاحتجاج. في كل الأحوال يصر الأسد على الحسم العسكري لمواجهة ما يجري مستندا إلى تجربة والده الرئيس حافظ الأسد في سحق حركة الإخوان المسلمين في حلب وحماة. والخطورة في هذا الاتجاه للنظام، أنه يقوض أسس الدولة السورية بكل أبعادها، وهو المؤامرة الحقيقية على سورية وينفذها بشار الأسد على أمل أن يبقى في الحكم بعد كل ما جرى من تفتيت البنية الحقيقية للدولة السورية. وأمام هذه المقدمات الدولية والداخلية يعول البعض على اهتراء آلة القمع السورية، وتضارب المصالح المتناقضة أصلا بين الأجهزة الأمنية، إذ أن أحد أسباب تماسك النظام السوري الأسلوب الأمني الذي يدير فيه الأزمة فكل جهاز يعمل بشكل منفصل دون العودة إلى الآخر، حيث يعمل بنظام الخلايا المنفصلة، لذا تتسابق هذه الأجهزة في الحفاظ على مصالحها دون عملية تنسيق. لكن وأمام حالة الاستنفار الأمني والعسكري، وتدهور الأوضاع الاقتصادية يعول الكثير على سقوط بطيء لأركان النظام، مع تآكل دوره الداخلي والإقليمي وهكذا يمكن التوصل إلى طريقة جديدة لنظام الأسد ليست على الطريقة اليمنية، ولا التونسية ولا غيرها من دول الربيع العربي، إنها الطريقة السورية التي لم نر مثل أحداثها في العالم العربي، ما يفعله الأسد سواء عن قصد أو غير قصد هو تقويض لأسس الدولة السورية، التي بنيت على مدار ستة عقود وهذا التقويض هو سقوط الأسد بلا شك.