رغم ما قامت به الدعوة الإصلاحية التي نشأت على يد الشيخ محمد بن عبدالوهاب قبل أكثر من مائتين وخمسين عاما، من تطهير للمجتمع وللقلوب من مظاهر الشرك بالله والاعتقاد بغيره أو اللجوء إلى سواه عند المحن والأزمات أو عند اشتداد الحاجة وفرط الرغبة في نيل أمر ما، رغم ذلك فإنه مازال في مجتمعنا بقايا من أولئك الجهال الذين يقعون في الشرك بالله وهم لا يدركون. من يطالع الصحف تستوقفه كثرة ما ينشر فيها من أخبار السحرة والجن وتدخل بعض أعضاء الهيئة (للإنقاذ) حيث يجري على أيديهم التخلص من السحر والجن والقضاء عليهم أو على آثارهم، تماما كما يقضون على الموبقات ولا فرق. هذه الأخبار الكثيرة عن حالات تلبس الجن أو الوقوع في أسر السحر، ما هي إلا دلالة على ما تنطوي عليه قلوب بعض الناس من اعتقاد بقدرة الجن والسحرة على إيذائهم، أو تحقيق ما لم يتحقق لهم من الأماني والرغبات، أو مساعدتهم على تنفيذ ما انطوت عليه نفوسهم الأمارة بالسوء من رغبة في الانتقام والإيذاء، وغالبا تأتي جهود الهيئة في مكافحة أذى الجن وفك السحر، لتدعم عندهم ذلك الاعتقاد وتؤكده بما يقال من أن الهيئة طاردت جنية أو جنيا كانا وراء بعض الجرائم الأخلاقية أو ضلعا في التعدي على الآخرين، أو أنها استخرجت (سحرا) كان مدفونا في أعماق البر أو البحر فأبطلته، وأن المسحورين باتوا بعد ذلك في أمن من الأذى (بفضل) قضائها على ما كان مخفيا في غياهب الأرض في داخل (شعر أو ورق أو خرق) أو غير ذلك من الخزعبلات. والهيئة بعملها هذا تسهم في تثبيت الاعتقاد الباطل في أذهان الناس أن بإمكان السحر أن يدمر حياتهم وأن يشكل أقدارهم، وأن بإمكان الجن أن يتحكموا في تصرفاتهم وأن يتولوا إرغامهم على الإتيان بما لا يصح إتيانه. وهذا كله مما يتنافى مع الدعوة النقية التي جاء بها محمد بن عبدالوهاب للتأكيد على أن النفع والضر بيد الله سبحانه، وأن من اعتقد بشيء غير ذلك فقد أشرك بالله. ما يبعث على القلق في هذا، أن ليس جميع أولئك المؤمنين بالقوى السحرية والجنية من الجهال، فمع الأسف تجد بينهم حملة درجات علمية عليا، وأذكر أن طبيبة كتبت إلي خائفة من زميل لها يتحرش بها ويهددها أن يسحرها إن هي لم تتجاوب معه!! فعلى أي شيء يدل هذا حين يبلغ الأمر بطبيبة أن يشل تفكيرها ويرتجف قلبها رعبا من أن يؤذيها ذلك الزميل عن طريق (السحر)!!. كدت أقول إننا في حاجة إلى تدريس أولادنا في المراحل المبكرة من التعليم علم التوحيد وصفاته وما ينافي صدقه ويوقع العبد في الشرك بالله ويبعده عن التوكل عليه والإيمان بأن كل شيء بقضاء منه وقدر، لكني تذكرت أن كل هذه المعرفة متاحة في برامج التعليم ترافق طلابنا منذ المرحلة الابتدائية إلى الدراسات العليا، أي أنهم لا يشكون الجهل. إن لم يكن الجهل بالتوحيد هو السبب، فما السبب إذن؟. أخشى أن أقول إننا سقيناهم معرفة لا روح فيها بعد أن جردناهم من القدرة على التفكير الجيد والتأمل المنطقي. فاكس: 4555382 1 للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة