عن هيئة الصحافة العالمية المتحدة (يو. بي. آي)، وعلى عهدة دراسة كندية، فإن نسبة من أوتوا الحكمة في العالم لا تتعدى 5% فقط! هذا ما توصلت إليه دراسة شاركت فيها الباحثة دولوريس بشكار، من جامعة كونكورديا في مونتريال. وهو خبر طريف بالرغم من صفته العلمية. وفي هذا السياق ترى بشكار أن الحكمة والذكاء ليسا الشيء نفسه. وهي ملاحظة تستحق التأمل، فالذكاء يمكن أن يُسخَّر في خدمة أعمال شريرة، ومن الأذكياء من يرى الحق حقا ولا يقر به، في حين تبقى الحقيقة ضالة الحكماء. قد يكون الذكي مُنظّراً أو متحدثا لامعا، أو خطيبا مفوّها يسحر بكلماته الآلاف، لكن ذلك كله لا يجعله في مصاف الحكماء. الحكمة صفة خيّرة، والحكيم لا يخون الحقيقة، ولا يدعو إلى العنف، أو يُسوّق ثقافة الكراهية. وما أكثر الأذكياء الذين يفعلون ذلك! وقديما قيل: «درهم حكمة خير من قنطار ذكاء»! قد يكون الذكي مُنظّراً أو متحدثا لامعا، أو خطيبا مفوّها يسحر بكلماته الآلاف، لكن ذلك كله لا يجعله في مصاف الحكماء. الحكمة صفة خيّرة، والحكيم لا يخون الحقيقة، ولا يدعو إلى العنف، أو يُسوّق ثقافة الكراهية. وما أكثر الأذكياء الذين يفعلون ذلك! نسبة الحكماء 5 % فقط.. تلك نسبة لا بأس بها، ويبقى السؤال، بعد ذلك، عن نصيب جهات العالم المختلفة من تلك النسبة، وعن مدى تأثير أولئك الحكماء على ال 95% الباقية. مؤكد أن التأثير محدود. ولعل منهم من لا يستطيع التأثير حتى في نطاق عالمه الصغير، أي في محيطه الأسري والاجتماعي. فالناس غالبا ما تستجيب لمن يخاطب العواطف لا من يخاطب العقول. من الحكماء، كذلك، من ينادم الصمت، وكأنه يعمل بنصيحة أبي العلاء المعري القائلة: «رأيتُ سكوتي متجراً فلزمته.. إذا لم يفدْ ربحاً، فلستُ بخاسر»! وأما أولئك الذين لديهم استعداد للكلام، ورغبة في تسويق أفكارهم فيبدو أنه لم يستشرهم أحد. يبقى بعد ذلك أولئك الذين استشيروا ثم لم يصغِ إلى آرائهم أحد. وفي مثل هذه الحال فإنه «لا رأي لمن لا يطاع» . أما فيما يتعلق بالقضايا المصيرية ،فإن الحكماء ليسوا صنّاع قرار، فإذا كانت القرارات مدمرة أصابهم ما يصيب الآخرين، أي أن لهم حصتهم من الشقاء، وليس في وسعهم إلا أن يتمثلوا بقول حكيم قومه الحارث بن عباد: «لم أكنْ من جُناتها، عَلِمَ اللهُ، وإني بحرِّها اليوم صالي»! لنعد الآن إلى مقومات الحكمة من وجهة نظر بشكار وزملائها، فمن مقومات الحكمة، كما يرى ذلك الفريق، المعرفة (والاستثمار الأمثل للمعرفة بالتأكيد)، ومن مقوماتها فهمُ الطبيعة البشرية، والقناعة، والتعاطف، والمرونة، ورؤية الأشياء بمنظار الآخرين. وعلى ضوء تلك العناصر يمكن فهم ما يجري حولنا من جنون. والآن، ضع خارطة العالم أمامك وعلِّم بقلمك على المناطق الغارقة في الفوضى، وسترى أنها تمارس بالفعل كل ما هو مناقض لتلك العناصر التي ذكرت. هنالك تسود الأمية و(الأمية الثقافية)، وتكشّر المطامع عن أنيابها، ويحل التناهش محل التعايش. ويقف التصلب حائلا منيعا دون أي شكل من أشكال الحوار، وتسيطر النظرة ذات البعد الواحد التي لا ترى الأشياء إلا من خلال منظارها الخاص.. وما أبعد ذلك كله، يا أصدقائي، عن الحكمة! [email protected]