بعد كارثة جدة الأولى .. كانت السيول قد غيرت معالم قويزة وكيلو 14 والصواعد وكل الأحياء المجاورة، صنع السيل شوارع جديدة وأخفى الشوارع الأصلية، توقفت سيارتنا على مقربة من حفرة الصواعد الهائلة التي صنعها السيل، وبدا المشهد وكأننا نتابع فيلما خياليا، حيث تصطف في إحدى جهات الحفرة أكثر من عشرة (وايتات) تتدلى منها خراطيم طويلة لشفط المياه من الحفرة دون جدوى. في ذلك اليوم البعيد وقفت على واحد من أكثر المشاهد إيلاما: أشخاص من مختلف الأعمار يقفون على أطراف الحفرة بحثا عن مفقودين من أقربائهم ولم يعد أمامهم من أمل سوى انتظار نهاية عملية شفط الماء من هذه الحفرة العملاقة فقد تظهر جثة من يبحثون عنه من تحت الماء، وبدا الحزن واضحا حتى على رجال الدفاع المدني الذين قدموا من المنطقة الشرقية ونصبوا خيمتهم على أطراف الحفرة. هناك تعرفنا على عبدالعالي السلمي، كان يقف على الطرف الآخر من الحفرة العملاقة حيث أكد لنا بأنه يأتي يوميا ليبحث عن ابن عمه المفقود ويقف عدة ساعات بانتظار ما يمكن أن ينتج عن عمليات الشفط، وفجأة حذرني عبدالعالي من كوني أقف على حافة طينية خطرة وبدأ يرشدني كي أتجاوز مناطق الانزلاق الخطرة فاستسلمت لإرشاداته حتى التقينا في منتصف الطريق. وفي نقطة المنتصف قال لي عبدالعالي إنه في اللحظات الأولى لقدوم السيل كان يقرأ «عكاظ» وتحديدا السطور الأولى من هذا العمود قبل أن يرعبه منظر السيل الذي تغير لونه بسبب الطين، وعدته بأن أكمل له المقال شفويا بشرط أن يخرجني من هنا!، ضحكنا قليلا .. ولكن الحزن سرعان ما عاد ليغلف أحاديثنا حيث روى لي عبدالعالي قصصا مشحونة بالألم، كانت كل كلمة يقولها كفيلة بأن تصنع جرحا بليغا في أعماق الروح ولكن السلمي كان مؤمنا ومتماسكا ومتفائلا بالغد، وقبل أن نغادر نقطة المنتصف أصر عبدالعالي أن يلتقط لنا الزميل سعيد آل منصور صورة تذكارية بكاميرا الجوال!. اليوم لا أعرف شيئا عن عبدالعالي السلمي، ولا أعلم هل وجد قريبه المفقود أم لا ؟، لم يعد ثمة شيء يربطني بذلك اليوم البعيد سوى أخبار محاكمة المتهمين في كارثة جدة، أتخيل دائما أن عبدالعالي كان يقرأ أخبار المحاكمة باهتمام شديد ثم تضاءل هذا الاهتمام مع مرور السنوات حتى أصبح يقلب الصفحة التي تحمل أخبار محاكمات المتهمين بكارثة جدة بحثا عن صفحة الرياضة. أشعر أننا جميعا لازلنا واقفين على شفا حفرة الصواعد حيث الحواف الطينية الخطرة، لذلك إذا كان عبدالعالي يقرأ هذه السطور فإنني أود أن أقول له: (يا عبدالعالي ..ما فات مات .. ومن مات فات)!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 211 مسافة ثم الرسالة