منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979م، وعودة الإمام الخميني وتوليه قيادة دفة الأمور في إيران، ومن بعده زملاء دربه، إلى وقتنا الحاضر، والأدبيات الفارسية تعج في المصطلحات الثورية الجديدة: ك«الاستكبار العالمي، المستكبرين، الاستضعاف، المستضعفين، الطاغوت، الطواغيت، الشيطان الأكبر..»، وإيران الخمينية الفارسية ترفع راية محاربة الاستكبار العالمي. في خطب وتصريحات كثيرة للإمام الخميني، ومن بعده قادة إيران من (سياسيين وعسكريين وملالي) إشارات إلى «الاستكبار العالمي» ممثلا في الولاياتالمتحدةالأمريكية والغرب بشكل عام، والولاياتالمتحدة على وجه الخصوص يشار إليها من قبلهم ب «الشيطان الأكبر» على أساس أنها العدو الأول للشعوب المستضعفة، و«الاستكبار العالمي»، بنظرهم، أوجد بعنصريته مختلف المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعوب المستضعفة وروج فيها شعارات فارغة مثل: الحرية، الديمقراطية، حقوق الإنسان .. إلخ. وكقوة سياسية وعسكرية واقتصادية فإن الاستكبار العالمي برأيهم ينفذ مخططاته في الاستيلاء على ما أمكنه من مقدرات الشعوب المستضعفة، والتأثير على سياساتها واقتصاداتها وثقافاتها، وسلب إراداتها عن طريق التبعية له من جميع الأوجه. والحصيلة بنظر قادة إيران أن اغتصب المستكبرون إرادات وحقوق المستضعفين وثرواتهم وتسببوا في تدهور اقتصاداتهم وتحميلهم الديون، مما أشعل حدة صراع دائم ومستمر بين المستكبرين والمستضعفين، إذ لابد، بنظر قادة إيران، من حتمية الاستقلال من الاستكبار العالمي والقضاء على التغرب والتبعية الفكرية له. ولم يفت الإمام الخميني ومن معه الاعتراف بأنه حتى في الدول المستضعفة يوجد مستكبرون من المواطنين فيها، والمثال المطروح لذلك هنا هو: إيران، حيث هي تمارس دور الاستكبار الفارسي ضد المعارضين الإصلاحيين والأقليات المذهبية والعرقية، وتقوم في داخل إيران وخارجها بدور مشابه للدور الذي تتهم فيه الاستكبار العالمي، وغير خافٍ ذلك. في البداية رحبت الشعوب العربية والإسلامية بالثورة الإسلامية، اعتقادا منها أنها إسلامية، ومن ناحية أخرى لأنها قضت على نظام حكم الشاه الذي استبد بأمور بلاده وقمع معارضيه، وأيد السياسات والاستراتيجيات الغربية التي في عمومها أساءت لبلاده ولدول المنطقة العربية والإسلامية، ومثلت خطرا على العرب، خاصة عرب الخليج. وفي المقابل وجد الشاه من الغرب كل دعم وتأييد، ومن ذلك تقليده رتبة «شرطي الخليج» .. اتضح فيما بعد أن الثورة الإيرانية ليست إسلامية كما أعلن وإنما هي كذلك بالاسم فقط، إذ ثبت في حقيقة الأمر أنها مذهبية صفوية وتسير على خطى ونهج الشاه القومي الفارسي. فقد أصبحت إيران اليوم، تحت ظل حكومة الثورة الإسلامية، تمثل استكبارا فارسيا .. والله أعلم.