في وادي ( خرّة ) أسفل منحدر جبل مهراس ملتقى سيل قرى عالقة ومقمور في محافظة بلجرشي ، توجد صخرة كبيرة تتخللها مجموعة من النقوش القديمة ، أطلق عليها الأهالي هضبة الكتاب بالنظر لما تحتويه من نقوش وكأنها صفحة كتاب ، يُرجح الأهالي أنها دونت منذ القدم وتحديدا في صدر الإسلام ، وذلك بعد ترجمتها بمساعدة أحد المختصين في مجال الآثار ، والتي حوت أسماء بعض الصحابة والتابعين . ولا غرابة أن تحمل تلك الصخرة تاريخا قديما ، إذا ما علمنا أن منطقة الباحة حافلة بالعديد من الآثار القديمة جدا الضاربة في أعماق التاريخ ، يأتي منها طريق الفيل الذي رصفه جيش أبرهة الحبشي ملك اليمن في طريقه لمكةالمكرمة ، إضافة للعديد من الآثار القديمة كقرية الخلف والخليف بمحافظة قلوة ، وقرية ذي عين الأثرية بمحافظة المخواة والتي تعتبر أفضل قرية أثرية على مستوى المملكة حسب تصنيف الهيئة العامة للسياحة ، فيما رجحت الكثير من المصادر الهندية إلى وجود قبر لقمان الحكيم في قرية حزنة ببلجرشي ، وذلك ما أكده الدكتور أحمد قشاش في حديث سابق مع (عكاظ) .فيما توجد أيضا صخرة أخرى تشبه كف اليد تحمل نقشا آخر ، لا تبعد كثيرا عن الصخرة العملاقة ، كما توجد في أعلى جبل مهراس خمسة قبور ، منها قبران مرتفعان عن الأرض بشكل ملحوظ ، لا أحد يعرف تاريخها تحديدا أو من يكون أصحابها ، غير أنه يُعتقد أنها تعود للأقوام الذين كانوا ينزلون بذلك الموقع. أحرف بدون تنقيط الإشكالية التي واجهتنا حين وقوفنا على الصخرة ، تكمن في خلو تلك النقوش من التنقيط ما أوقعنا في حيرة ، وبالتالي فإن قراءتها ومعرفة مدلولاتها بات أمرا في غاية الصعوبة . لم تدم حيرتنا كثيرا فسرعان ما بادرنا عبد الله الدربي ، أحد المهتمين بتدوين الآثار بقراءة تلك النقوش ، والذي أشار أنه كان يتردد كثيرا على الصخرة في محاولة لتفسير تلك النقوش وماذا تحوي ، وبين أنه توصل لمعرفة محتوى تلك النقوش بعد استعانته بمصادر ومراجع تعنى بتفسير الحروف العربية القديمة غير المنقطة ومقارنتها بالأحرف الحالية، إضافة لاستعانته بالمعيد في قسم الآثار في جامعة الملك سعود، الأستاذ نايف العتيبي ، الذي ساعده في تفسيرها . أسماء وأدعية ولفت الدربي إلى أنه بعد تفسير تلك النقوش لاحظ أنها تحمل أسماء عدد من الصحابة والتابعين ، المتضمنة بعض الأدعية ، ما يعني أنها نقشت قبل نحو 1400 سنة، مبينا أن النقش الأول جاء فيه (أنا الحارث بن خالد بن العاص أستغفر لذنبي)، مبينا أن الحارث بن خالد بن العاص شخصية تاريخية من بني مخزوم من قريش وهو أحد التابعين، وكان والي مكة من قبل الخليفة الأموي يزيد بن معاوية من عام 63 وحتى 64 ه. النقش الثاني يقول ( أنا عبد الرحمن بن خالد أسأل ربي رحمته)، وقد يكون عبد الرحمن شقيق الحارث صاحب النقش الأول. والنقش الثالث ، ( أنا خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة أستغفر ربي لذنبي كله ) وهو أحد الصحابة ولي على مكة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ثم في عهد الخليفة عثمان بن عفان. والنقش الرابع ( رحمة الله على خالد بن العاص وعلى من يصلى عليه بخير وكتب زياد) ويبدو أن هذا النقش كتب بعد وفاة خالد بن العاص صاحب النقش الثالث. والنقش الخامس ( أنا الحارث بن ( ؟ ) أسأل ربي التوفيق في الأمر كله) ، وهنا لم يتضح الاسم الثاني لعدم وضوح النقش الموجود في الصخرة. النقش السادس ، أنا ( ؟ ) بن عبد الرحمن بن خالد أسأل الله الجنة . ويلاحظ أيضا بين القوسين علامة استفهام وذلك لعدم معرفة الاسم الأول لنفس السبب، ويبدو أن صاحبه ابن صاحب النقش الثاني، عبد الرحمن بن خالد إلا أنه لم يعرف من يكون. أما النقش الموجود على الصخرة الصغيرة المقابلة لهضبة الكتاب فوجدت فيها الكتابة التالية ( بسم الله الرحمن الرحيم أنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن خالد أخلصت ديني للواحد الوالي). ويشير الدربي أن الباحة تحفل بالكثير من الآثار والنقوش والمواقع الأثرية في السراة وتهامة ، وأن الكثير منها لم يكتشف بعد سواء في سراة الباحة أو تهامتها ، داعيا المهتمين والمختصين في مجال الآثار إلى زيارة الباحة للتعرف على ما تكتنزه المنطقة من معالم أثرية يصل عمرها إلى آلاف السنين . أمثال شعبية (غبّر يا ثور على قرنك) يرمز هذا المثل لمن يأتي عملا محظوراً ، رامياً بتوجيهات ذويه وأصدقائه عرض الحائط،وأن الضرر سيكون عليه دون غيره . وقد شبه بالثور لأن عمله لا يقوم به عاقل . ( يعلم صبيته قبل يحط جنبيته ) صبيته : زوجته . جنبيته : سلاحه . يقال فيمن يفشي الأسرار ، لأنه لا يصبر على كتمانها. ويدعو إلى حفظ السر ، وأن نختار من نثق في أن تكون أسرارنا لديه بمأمن، كما أنه يجب أن لا نلوم غيرنا ما دامت صدورنا فرطت في إفشاء أسرارها .