(هضبة الكتاب) صخرة عملاقة عجيبة، تشعر كأنما اختيرت لتكون سجلا وثائقيا لتسجيل التوبات والاستغفار، ولا أحد يعلم أن ذلك من قبيل المصادفة أم أن هذه الصخرة قد اختيرت بعناية لهذا الغرض. تقع (هضبة الكتاب) أسفل منحدر جبل مهراس وتحمل العديد من النقوش القديمة التي ترجع إلى صدر الإسلام، وذلك بالنظر للأسماء المنقوشة عليها، والتي لم تكتشف حتى الآن من قبل هيئة السياحة و الآثار بالرغم من رصدها لقرابة 160 موقعا أثريا في مختلف محافظات منطقة الباحة، إضافة إلى وجود خمسة قبور في أعلى الجبل ذاته، منها قبران مرتفعان عن الأرض بشكل ملحوظ، يعتقد أنها تعود للأقوام الذين كانوا ينزلون بذلك الموقع، ونقش آخر في صخرة صغيرة تشبه كف اليد المنبسطة في الجهة المقابلة لهضبة الكتاب. نقوش دون تنقيط الصخرة تقع أسفل الجبل عند التقاء السيلين بوادي (خرة) وهو مجرى سيل يربط قرى عالقة وقرى مقمور في محافظة بلجرشي، عند زيارتنا للموقع برفقة عبدالله الدربي أحد المهتمين بالمواقع الأثرية في المنطقة، شاهدنا على الصخرة قرابة ستة نقوش قديمة بدون تنقيط، وبالتالي تصعب قراءتها أو تفسير مدلولاتها، إلا أن الدربي سهل لنا الأمر بحكم تردده على الصخرة واستعانته بمصادر ومراجع تعنى بتفسير الحروف العربية القديمة غير المنقطة ومقارنتها بالأحرف الحالية، إضافة لاستعانته بالمعيد في قسم الآثار في جامعة الملك سعود نايف العتيبي في تفسير تلك النقوش. أسماء صحابة ولفت الدربي إلى أنه بعد تفسير تلك النقوش لاحظ أنها تحمل أسماء عدد من الصحابة والتابعين ما يعني أنها نقشت قبل نحو 1400 سنة، مبينا أن النقش الأول جاء فيه «أنا الحارث بن خالد بن العاص استغفر لذنبي»، مبينا أن الحارث بن خالد بن العاص شخصية تاريخية من بني مخزوم من قريش وهو أحد التابعين، وكان والي مكة من قبل الخليفة الأموي يزيد بن معاوية من عام 63 وحتى 64 ه. النقش الثاني يقول «أنا عبد الرحمن بن خالد أسأل ربي رحمته»، وقد يكون عبدالرحمن شقيق الحارث صاحب النقش الأول. والنقش الثالث «أنا خالد بن العاص بن هشام ابن المغيرة استغفر ربي لذنبي كله»، وهو أحد الصحابة ولي على مكة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ثم في عهد الخليفة عثمان بن عفان. والنقش الرابع «رحمة الله على خالد بن العاص وعلى ما يصلى عليه بخير وكتب زياد»، ويبدو أن هذا النقش كتب بعد وفاة خالد بن العاص صاحب النقش الثالث. والنقش الخامس «أنا الحارث بن ( ؟ ) أسأل ربي التوفيق في الأمر كله»، وهنا لم يتضح الاسم الثاني لعدم وضوح النقش الموجود في الصخرة. النقش السادس «أنا ( ؟ ) بن عبد الرحمن بن خالد أسأل الله الجنة». استفهام بين قوسين ويلاحظ أيضا بين القوسين علامة استفهام وذلك لعدم معرفة الاسم الأول لنفس السبب، ويبدو أن صاحبه ابن صاحب النقش الثاني، عبدالرحمن بن خالد إلا أنه لم يعرف من يكون. آثار قديمة أما النقش الموجود على الصخرة الصغيرة المقابلة لهضبة الكتاب فوجدت فيها الكتابة التالية «بسم الله الرحمن الرحيم أنا إسماعيل بن عبد الرحمن ابن خالد أخلصت ديني للواحد الوالي». وبين الدربي أن تاريخ منطقة الباحة حافل بالكثير من المواقع الأثرية والمواقف بدءا بالعصر الجاهلي ومرورا بالإسلام، إذ كانت لأبناء الباحة من غامد وزهران مواقف مشرفة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أن غامد وزهران تسمى ضيعة مكة منذ القدم، وما يدل على ذلك تلك النقوش القديمة التي وجدت في قرى عالقة ومقمور التي سكنها أولئك الصحابة والتابعين، أو أنهم كانوا ينزلون بها خلال فترة الصيف.