عقد مجلسا الشعب والشورى المصريان اجتماعا مشتركا الأسبوع الجاري للاتفاق على أسس اختيار الجمعية التأسيسية الخاص بموضوع الدستور، وبغض النظر عن الخلافات الجارية بهذا الخصوص فإن هذه الجمعية سوف تواجه قضايا خلاف حاد من جانب القوى السياسية المصرية، ومن بين هذه القضايا النصوص الخاصة بوضع القوات المسلحة ضمن النظام السياسي في الدستور الجديد، ورغم أن الدساتير المصرية منذ قيام ثورة يوليو 1952 لم تتضمن أي نصوص خاصة بوضع متميز للقوات المسلحة ضمن مؤسسات النظام السياسي، واكتفت بالتأكيد على أنها الحامية للأمن القومي للوطن، إلا أن مسار الحياة السياسية طوال تلك السنوات قد اقترن بخصوصيه القوات المسلحة، وعدم وجود نصوص دستورية تحدد شكل الرقابة على عملها أو ميزانيتها، في ضوء الحرص على سرية ذلك في ظل ما واجهته مصر من حروب مع إسرائيل إلا أنه ومنذ قيام الثورة في 20 يناير، ورغم دور المؤسسة العسكرية في حمايتها ودورها الإيجابي مقارنة بما تم في دول عربية أخرى، إلا أن الحديث تصاعد من جانب بعض القوى والشخصيات المرشحة لرئاسة الجمهورية في مزايدات واضحة على ضرورة الحد من نفوذ المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية وهو ما سيجعل من ذلك بالضرورة قضية ضمن القضايا الخلافية الأساسية عند وضع الدستور. ومع تقديري أن البعض يخلط أحيانا بالمقصود بالدولة المدنية التي يرى البعض ألا يكون للمؤسسة العسكرية دور أكبر فيها وهذا خلط واضح فالدولة المدنية المقصود بها كما يرى الكثير من علماء السياسة أن تكون دولة ديموقراطية حديثة تقوم على توازن المؤسسات دون إقصاء لدور أي منها والمهم هنا ليست محاصرة دور الجيش ولكن تحصينه أولا من الاختراقات الحزبية والطائفية وأن يبقى كمؤسسة للوطن وليس للحاكم، وأن يعود إلى دوره الأساسي في حماية الوطن، وابتعاد أفراده وقيادته عن ممارسة السياسة، مع مراعاة خصوصية موقعه ضمن منظومة الأمن القومي للدولة المصرية، والحرص على المحافظة على سرية السياسة الدفاعية بأبعادها وعناصرها المختلفة والموازنة بقدر الإمكان بين هذه السرية ومتطلبات الرقابة التي تكفل في النهاية ترشيدا لأداء المؤسسة العسكرية ضمن منظومة الدولة الحديثة.