يتكرر في التراث العربي الإشارة إلى الكتمان كفضيلة من الفضائل الخلقية ونوع من أنواع الذكاء والدهاء والحنكة التي لا تظهر إلا لدى الحكماء والعقلاء. أما عامة الناس فيغلب عليهم إفشاء كل ما يصيبهم أو ما يؤذيهم أو يشعرون به. وعلى الرغم من أن هناك أمورا يقبح كتمانها كالشهادة والعلم والزواج والإنجاب. فضلا عن أن هناك أمورا يتعذر كتمانها أصلا فهي لابد أن تفلت معلنة عن ذاتها مخبرة عن وجودها كالحب والعطر، إلا أن الكتمان ظل ينظر إليه كصفة مطلقة وفضيلة تستحق أن تطلب لذاتها. جاء في كتاب الكامل: «كان يقال: أربع من كنوز الجنة: كتمان المصيبة، وكتمان الصدقة، وكتمان الفاقة، وكتمان الوجع». إذا كان من المفهوم كتمان الوجع لتحاشي الظهور بمظهر الضعف وكتمان الفاقة للترفع عن الإشفاق المصاحب لذل الحاجة. وإذا كان مفهوم كتمان الصدقة كي لا تكون مطية لجلب المديح أو وسيلة للرياء والخداع، فإن كتمان المصيبة، أمر من الصعب فهمه. فالمصيبة لا يمكن كتمانها، المصيبة غالبا لاتخفى، فالمرض والحريق والإفلاس والسجن والطلاق والموت وغير ذلك، هي وقائع لا يمكن اخفاؤها، فلعل المقصود كتمان الجزع بسببها تحاشيا للظهور بمظهر الضعف والتعرض للاشفاق. من الملحوظ هنا، إن العامل المشترك في الدعوة إلى الكتمان، الرغبة في البعد عن الاتصاف بالضعف، فباستثناء تعليل فضل كتمان الصدقة فإنه لا يوجد لتعليل البقية سبب أكثر وضوحا من الحرص على تحاشي صفة الضعف!! وهنا يعترضنا سؤال حول كراهية الضعف والنفور من الاتصاف به، لم يكره الناس أن يكونوا في حال الضعف فيهربون من كل مؤشر يدل على ضعفهم!! قرأت مرة تعليلا لذلك فحواه أن الضعف فناء والقوة بقاء، وأن الإنسان الذي فطر على حب البقاء يظل أبدا يسعى إلى القوة ويهرب من الضعف، وأن كل ما يطلبه في هذه الدنيا من صور المتعة إنما هو من أجل القوة التي هي سبيل البقاء، وأن كل ما يهرب منه من صور المشقة والألم إنما هو من أجل الضعف الذي هو سبيل الفناء. وبعيدا عن هذا التعليل، لنعود إلى قضية التحريض على التشبث بكتمان تلك الخصال الأربع، لم اختيرت تلك الخصال بالذات للحض على كتمانها؟. هناك خصال غيرها كتمانها لا يقل أهمية ونفعا عن الخصال المذكورة إن لم يكن أولى منها بالكتمان، فلم لم يتطرق إلى خصال كالإنسياق وراء الغضب، وقول السوء. والظن السيئ مثلا؟ إن هذه الخصال تتعلق بالتعامل مع الآخرين والنجاح في كتمانها يعين على إشاعة السلام وإحلال المحبة وتيسير التقارب والتفاهم بين المختلفين. في حين أن ما ذكر من الخصال السابقة التي ورد التحريض على كتمانها، يتعلق بالذات وحدها وما ينتج عن كتمها أو إبدائها يقع أثره على ذات صاحبه فقط؟!. فاكس: 4555382 1 للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة