لم يكن يدر بخلد ذلكم البريدي القصيمي الشاب ذي السبعة عشر عاما وهو يتلقى التشجيع والتحفيز من شيخه العلامة عبدالله بن حميد رحمه الله طالبا منه ترك العمل في المدرسة الفيصلية التي يعمل فيها مدرسا. ليعينه في طلائع عام 1364ه قيما لمكتبة جامع بريدة. ليقوم بمهمة تجهيز الكتب لشيخه والبحث في المسائل وتغذية المكتبة ببعض الكتب حسب الإمكانات المتاحة آنذاك. ودارت عجلة الزمان بذلك الشاب اليافع الذي صار بعد فترة وجيزة أحد طلائع العلم والثقافة في المملكة العربية السعودية. إنه الرحالة والعلامة محمد بن ناصر العبودي. هكذا بدأت رحلته مع العمل الوظيفي معلما في المدرسة الفيصلية في الثالث والعشرين من شهر ذي الحجة سنة 1363ه ثم قيما لمكتبة الجامع 1364ه . ثم مديرا للمدرسة المنصورية في بريدة سنة 1368ه وهي ثاني مدرسة حكومية هناك. ثم مديرا للمعهد العلمي في بريدة سنة 1371ه وهو ثاني معهد بعد معهد الرياض العلمي ثم انتقل للجامعة الإسلامية كأول موظف يعين فيها في انطلاقة تأسيسها سنة 1380ه . ثم أمينا عاما للدعوة الإسلامية 1394ه ثم أمينا عاما مساعدا ورئيسا بالنيابة سنة 1403ه حتى تقاعد عن عمله قبل أيام قلائل بعد هذه المرحلة الطويلة الشاقة. قصدت من هذا السرد التاريخي لأدلل على طول هذه الرحلة وحقيقتها التي تضاف إلى رحلاته التي جابها وتقصاها في زوايا العالم وخباياه بل إلى سبقه وتفرده في حياته كما انفرد في رحلاته ومؤلفاته منها هو ينفرد بمدة عمله. لقد كانت رحلته مع العمل الحكومي والوظيفة رحلة طويلة استغرقت سبعين عاما شارك وشهد فيها مراحل تأسيس وبناء فأسس المدرسة المنصورية والمعهد العلمي والجامعة الإسلامية والأمانة العامة للدعوة الإسلامية وأرسى دعائم وأسس العمل الإسلامي المنظم عبر تقارير وبيانات دقيقة عن أحوال المسلمين من خلال جولاته. شهدت رابطة العالم الإسلامي في عهده أوج نشاطها وسعة علاقاتها مع القائمين على العمل الدعوى والإسلامي في الخارج. أمضى فيها ثلاثين عاما من التجوال والترحال في كل صقع وبقعة وزاوية من العالم. الأميز في رحلة العلامة الشيخ محمد العبودي أنه لم يكن أنانيا في ذاته، رحلاته. بل كان سخيا كريما بعطائه وعلمه فبث كتبه ودون رحلاته ونشر تأليفه عن المسلمين حتى بلغت كتب الرحلات المطبوعة فقط 125 كتابا. وكذلك فعل في رحلته مع العمل الحكومي كعادته يدون فيها التفاصيل ويكتب الدقائق التي تمر. ابتدأ رحلته بكتاب اسمه «أربعون عاما في الوظيفة» لم ينشره ليحوره بعد سنوات إلى «خمسون عاما في الوظيفة» ثم «ستون عاما في الوظيفة» . وأخيرا.. اكتمل بالعقد السابع «سبعون عاما في الوظيفة» دون فيها رحلته مع العمل بسرائه وضرائه ودقائقه وتفاصيله ورجاله وشخصياته. لأنه شاهد على قرن من الزمان وفتح عينيه طيلة تلك المدة على نافذتين مهمتين في بلادنا هما التعليم والدعوة فوعاهما وخبرهما ومن ثم دون كل ذلك بكل دقة وإتقان. وإذا كان ذلكم الشاعر السنغالي الذي ألقى قصيدة أمامه إبان محاضرة معاليه عن تأسيس الجامعة الإسلامية قبل أشهر قد نازع أرض السعودية في نسبة العبودي إليها وأن المواطن والبلدان كلها تنزع بوصل وقربى إليه بحكم زياراته وعلاقاته. فإن الاحتفاء والتكريم لهذا العلامة حتما سوف يتنازع عليه العديد من الجهات مثل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي شهد فيها ولادة ونشأة المعاهد العلمية وكان شاهدا حاضرا على فكرتها وبداياتها. والجامعة الإسلامية هي الأخرى لها حظ وافر من معاليه حيث أودع فكرتها وتلقى غاياتها من لدن الملك سعود وسماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم فتحقق الهدف ونهض بهذه المهمة خير قيام حتى غدت هذه الجامعة التي لا تغيب عنها الشمس أحد معالم بلادنا الكبرى علما ودعوة. أما رابطة العالم الإسلامي فهي حاضنة العمل الدعوي واستطاع بهمته وصبره وتحمله أن يكون أكبر قاعدة بيانات في العالم عن المسلمين والعمل الدعوي. واختزن ذلك في ذاكرتين الأولى ذاكرته الشخصية التي تكاد تستحضر كل شخص أو جمعية أو مسجد في أي مكان من العالم. والأخرى هي كتبه في الرحلات التي أثبتت وشهدت بدور المملكة العربية السعودية الكبير في خدمة المسلمين ورعاية شؤونهم والبحث عن أحوالهم وشؤونهم.. والسؤال هو : من الذي سوف يبادر إلى الاحتفاء بهذا العلم الكبير من تلك الجهات التي أسهم في تأسيسها وبداياتها ونهضتها إلا أن الرابطة بالأخص تحتاج إلى عقد مؤتمر عالمي كبير عن هذا العالم الجليل الذي قدم لها خلال ثلاثين عاما عصارة علمه وفكره ودعوته. كما أن الأمنية الكبرى أن تحظى «سبعون عاما» من العمل الدعوي والعلمي والثقافي لخدمة المسلمين بالفوز بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام والمسلمين. [email protected] فاكس : 014645999 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 253 مسافة ثم الرسالة