من جدران الحمامات .. إلى أروقة المنتديات، تلك حكاية مجد يبنى في تاريخ الحريات عندما كانت مساحة الحرية ضيقة أو بالأصح أدوات نشر الرأي شبه معدومة كانت جدران دورات المياه أبرز وسائل النشر الحر فأثناء دراستي في المرحلة المتوسطة.. كانت جدران دورات المياه أشبه بصحيفة فذاك الطالب الذي أحس بالظلم من معلمه يكيل له سيلا من الشتائم وآخر تأذى من زميله يفرغ شحنة القهر والألم فضلا عن الكثير من الكتابات حول الحب وعندما انتقلت إلى المرحلة الجامعية وجدت الكثير من الكتابات كان بعضها ذات صبغة اجتماعية. ومع مرور السنين وبظهور الشبكة العنكبوتية ظهرت أدوات نشر سهلة ومبهرة وظهرت المنتديات العربية وظهرت معها ثقافة (النك نيم) أو الاسم المستعار والتي أصبحت ومازالت عاجة وإن كسر الفيسبوك تلك النقاعة وبدأ الكثير من رواده يظهرون بأسمائهم الحقيقية لقد منح الاسم المستعار لصاحبه قناعاً أو ربما أعطاه فرصة لخلع قناع والظهور بشخصيته فحدثت ثورة مهولة في وسائل النشر وبث الأفكار ووجهات النظر ولكن وفي المقابل لم يصاحب تلك الثورة ثورة أخرى في وعي وثقافة القارئ والمتلقي وذلك أمر طبيعي كون ثقافة الوعي تحتاج إلى تسلسل زمني يمنحها النضوج. فكانت المأساة وظهر الكثير من أنصاف المتعلمين من المنظرين والمحللين والسياسيين والاقتصاديين وحتى المجانين وكان المتلقي يستقي من هنا وهناك دونما وعي ولا توجيه حيث وجد ما يلامس مشاعره ويوافق عقله ولعلي أستشهد بما حدث في سوق الأسهم في السنوات الماضية وقبل الانهيار الكبير حيث كان الناس يقبلون على الاقتصاديين الجدد أو الدخلاء على عالم الاقتصاد لأنهم خاطبوهم بلغة مبسطة مفهومة تعيها عقولهم كما لامسوا مشاعرهم بكلمات واضحة حول الربح والخسارة فاستجاب الناس لهم وهم ليسوا ملومين فوقعت الكارثة بينما ظل الاقتصاديون الأكاديميون في أبراجهم العاجية يخاطبون الناس بلغة المؤشرات والشموع اليابانية. وكعادتنا نرمي باللائمة على التقنية وندعو على من طورها ونجلد ذواتنا ونكيل لأنفسنا الشتائم كوننا شعبا غير واع ومع ذلك لا نحرك ساكنا ولا نبذل مجهودا في نشر ثقافة الوعي لدى المتلقي. ومن هنا أوجه رسالة إلى كل مثقفينا ومفكرينا ورجال الدين بالكف عن توصيف المشكلة وشرح كوننا شعبا غير واع في حواراتهم واجتماعاتهم المغلقة في النوادي الأدبية والملتقيات الفكرية المقتصرة عليهم والمقابلات التلفزيونية والنزول إلى العامة ومخاطبتهم بلغتهم ومحاولة إيجاد حلول لردم الهوة بينهم بل والمساهمة في إثراء الشبكة المعلوماتية بالمحتوى العربي الجيد. علينا أن نعي أن قطع الطريق على أصحاب الكتابات المغرضة والأفكار الهدامة وناشري الشائعات ومشوهي الحقائق والدخلاء على الدين والعلم والثقافة واجب وضرورة ليس بمطاردة مواقعهم على الشبكة فالأمر بات مستحيلاً بل بإيجاد محتوى راق يبث ثقافة الوعي لدى المتلقي وعلينا الا نستعجل النتائج فالأمر لن يكون بين عشية وضحاها بل سيكون هناك تغير تدريجي وسنرى ثماره في الجيل الناشئ بمشيئة الله.