في بيشة يصبح كل شيء مكتوبا بلغة بساتين النخيل ومشهد القرى الطينية ورائحة المطر حينما يداعب أديم الأرض الجافة، قبل أن تدخل إلى عتبات هذه المدينة عليك أن تتسلح بسيف الدهشة وأن تكون رقيقا في البحث عن تاريخها الموغل في القدم، فهي مدينة عامرة بالمعرفة وسخية بخيراتها خيرات يرفدها وادي بيشة الشهير. أصل التسمية بيشة معناه الغابة كثيرة الوحوش والأشجار وسميت على اسم واديها الكبير الذي ينحدر شمالا من سلسلة جبال السروات في المنطقة الجنوبية. ومحافظة بيشة غنية بتاريخها وتراثها لذا فقد وصفت بالكثير من الأوصاف فقيل عنها «المأسدة»؛ حيث كانت أوديتها وشعابها تعج بالأسود الضارية وضرب بأسدها المثل كثيرا في الشجاعة والقوة، كما ورد اسم بيشة في الكثير من المراجع التاريخية وجاء اسمها في أشعار الجاهلية، إلى جانب ما تتضمنه من نقوش وآثار تملأ جنبات صخورها المنتشرة على امتداد مساحتها الواسعة، حيث كانت منذ قديم الزمان نقطة توقف للقوافل التجارية بين اليمن والشام وأحد طرق الحجاج من قاصدي الأماكن المقدسة. وتشير كتب التاريخ إلى أن إمارة بيشة تأسست في العام 1336 وكان الشيخ عبدالرحمن بن ثنيان أول من تولى إمارة بيشة، كأول إمارة في المنطقتين الجنوبية والغربية، وكذلك محكمتها التي أسست في نفس العام وكان قاضيها آنذاك الشيخ مبارك بن باز. جغرافية الموقع تقع بيشة في عالية نجد في الجزء الشمالي من الإقليم الجنوبي للمملكة وهي تغطي الحدود الشماليةالغربية لمنطقة عسير وتحدها محافظة رنية شمالا وخميس مشيط والنماص من الجنوب الغربي والباحة وبلقرن غربا وتثليث من الشرق وتبعد عن الرياض 700 كلم وعن أبها ب250 كلم. محطة استراتيجية تمتاز بيشة بموقع استراتيجي، الأمر الذي جعلها محطة للقوافل المسافرة من وإلى نجد وعسير واليمن والحجاز في السنين الخوالي، حيث كان التجار والمسافرون يتزودون منها بالماء والطعام، خاصة التمور التي تشتهر بها بيشة. وادي بيشة يعتبر وادي بيشة من أكبر الأودية في المملكة وهو ينطلق من جبال سراة عبيدة متجها نحو الشمال، حتى تختفي مياهه بالقرب من وادي الدواسر وتكثر في الوادي أشجار الغضا والطرفاء والأثل. وقد قال عنه المؤرخ فؤاد حمزة إن الوادي تجتمع فيه مياه جبال عسير وتسكنه قبائل متعددة وتقوم في بداية الوادي قرية كبيرة لم يبق منها إلا أطلال وخرائب وهي بلدة جرس ثم يقطع الوادي حدود بلاد قحطان، حيث يكون اسمه بيشة بني سالم، ويمر عبر موقع تقوم فيه قرى شهران ومن ثم تصب فيه أودية فرعية منها وادي تندحة ووادي أبها ويسمى عندئذ وادي ابن هشبل، أما بعد أن يجتاز الوادي بلاد شهران فيسمى وادي بيشة النخل أو بيشة ابن عمير، ثم يواصل الوادي بمسيرته إلى أن يلتقي بوادي رنية ويفوران معا في «المهمل» عند جبل ظاعن ووصف الرحالة تاميزيه في رحلته إلى جزيرة العرب الوادي أنه أشبه ما يكون بوادي النيل لكثرة نخيله. مسرح الحروب كانت بيشة في العهد الجاهلي مسرحا للحروب التي جرت بين العدنانيين والقحطانيين، حيث جرت فيها معارك كثيرة من أيام العرب كيوم الذهاب ويوم فيف الريح ويوم حوي ويوم العرقوب، ولما أشرق الإسلام بنوره كان أهل بيشة أول من وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم لمبايعته على الإسلام ومن الوفود التي ارتحلت إلى نبي الهدى وفد خثعم وأنس بن مدرك وجرير بن عبدالله البجلي، كما تناولت المؤلفات تاريخ بيشة في العصر الأموي وذكرت تبعيتها لبني أمية أيام حكمهم. الحياة الاجتماعية يتميز المجتمع في بيشة بالترابط والتماسك والتكافل في الأفراح والأحزان، وذلك وفقاً لنظام القبيلة، كما يتصف أهل بيشة بالشجاعة عندما كانت طبيعة الحياة تتطلب ذلك فتجلت أمورهم في القتال والنزال والمعارك والذود عن المظلوم ونجدته وحماية الجار. أمثال شعبية بيشة أم الرخاء والعيشة: أطلق هذا المثل على بيشة منذ سنين طويلة، لاشتهارها بإنتاج التمور، حتى أن المسافر لايمكن أن يتعداها دون التزود من تمورها. الصفري ولا الجوع: الصفري نوع من أنواع التمور في بيشة ولأهمية التمور في السنين الخوالي وخاصة الصفري الذي تشتهر به بيشة أطلق هذا المثل. ماكل يوم عجة ولقيط: يطلق هذا المثل على أهمية انتهاز الفرص، فالعجة وهي الهبوب عندما تهب تتساقط التمور من النخيل ويقوم الناس بالتقاط مايتساقط. لا تصفق الفال ولو عقال: يطلق هذا المثل على أهمية الفطور عند الإنسان، وأنه لابد من تناول هذه الوجبة.