قرار الدول الخليجية طرد السفراء السوريين على خلفية استمرار المجازر في حمص، ورفض دمشق الحلول العربية. يعني أن الدول الخليجية رفعت السقف مجددا وهي خطوة قد تمهد بقرب قطع العلاقات الدبلوماسية، فنحن اليوم أمام مرحلة جديدة؛ ألا وهي «اللغة الدبلوماسية» التي ربما تتراجع أمام لغة القرار؛ إما بإسقاط النظام، أو بمساعدة المعارضين والثوار على إسقاطه، وهذه الخطوة التي اتخذتها دول المجلس هي الأعلى، وهذا أمر كان متوقعا؛ لأن دول المجلس دعمت قرارات الجامعة العربية لاسيما القرار الأخير الذي طالب الرئيس الأسد بنقل صلاحياته إلى نائبه. إن نظام الأسد وبعيدا عن الموقف الخليجي ،وعبر تطور الأحداث على الأرض والدماء التي تسيل، القمع والخطف والعمليات العسكرية والعمليات المضادة، أكد أن استمراره في الحكم أصبح من المستحيلات، وما قرار الدول الخليجية إلا إشارة مباشرة إلى أن هناك اقتناعا ضمنيا لدى دول المجلس أن سورية لا يمكن أن تستمر في ظل هذا النظام . فالعقوبات والعزلة ستكون مؤثرة عليه، بيد أنه لا يزال هناك دول الجوار التي تعتبر متنفسا للوضع السوري (كالعراق ولبنان والأردن)، أو من خلال الموقف الإيراني أيضا، فالعقوبات ربما توجع النظام وستكون أصعب في الأيام المقبلة، ولكن هناك الكثير من «بالونات الأوكسيجين» الاقتصادية لدول الجوار، هذا عدا الدعم غير المباشر أو الأوكسجين الذي يتلقاه النظام السوري من الموقفين الصيني والروسي. وفي الحقيقة أن لبنان اختبر طوال سني الحرب مواقف الجامعة وأصبح من الواضح أن الجامعة العربية ليست قادرة على اتخاذ قرارت حاسمه ضد سورية؛ تتمثل بفرض عقوبات قاسية، فهي غير مؤهلة لدور عسكري في سورية. ولكن قد نصل في مرحلة ما أن تقوم بعض الدول العربية مع الدول الغربية بتقديم دعم عسكري . روسيا من جانب تحاول اليوم لعب دور لأن آخر بوابة وجودها الدبلوماسي وحتى العسكري هي سورية، وعلاقاتها التاريخية هي مع سورية، وسورية تستفيد اليوم من الموقف الروسي، لكن لا تتوهم سورية أن الموقف الروسي هو دعم للعلاقات التاريخية التي تربط البلدين، هناك مصالح روسية ما زالت تبحث عنها إن كان باتجاه الغرب، أو باتجاه تركيا، وتتنوع هذه المصالح منها ما يتعلق بالغاز والبترول، وأخرى تتعلق بالجيوسياسة في آسيا والامتداد الجويسياسي لتركيا نحو بلدان آسيا التي تتطلع روسيا إلى دور فيها أو لها في هذه البلدان دور، كمشكلة الدرع الصاروخي، كما أن هناك مصلحة لروسيا بالاستمرار في لعب دور في الشرق الأوسط وبوجود عسكري وقاعدة. هناك ثمن لهذا الموقف الروسي ولكن ملامحه غير موجودة، وعندما تتأمن المصالح الروسية المشار إليها يمكن أن يلين الموقف الروسي، هذا أولا. ثانيا أن الموقف الروسي هو داعم لقرار جامعة الدول العربية الأول ولكن هذا القرار تخطاه الزمن، هناك أحداث على الأرض. فإذا تكلمنا عن إصلاح، أي إصلاح تقصد روسيا في ظل الدمار، والقتل والحرب؟ تتحدث عن إصلاح في ظل واقع إنساني مؤلم. ولكن روسيا «انحشرت» بشكل أو بآخر باتخاذ الفيتو، فالضغط الممارس على الأسد بأن يمضي في إصلاحات إو إطلاق مبادرة ما، قد يتيح بعدا زمنيا لنقل السلطة بشكل أو بآخر في سورية، ولكن الواقع يشير أنه لا توجد أية مبادرة يمكن أن تعطي ثمارها قبل وقف الآلة العسكرية، الوضع في سورية أصبح كارثيا وهذا ما لا تحاول روسيا وجامعة الدول العربية رؤيته. سياسة شد الحبال التي تقوم بها روسيا قد توصل سورية إلى حرب أهلية لن نعرف كيف بدأت أو ستبدأ، كذلك لن نعرف كيف ستنتهي. إن الدور الذي يحاول أن يلعبه لافروف، لاستعادة زمام الأمور ولجعل روسيا مجددا محور الحركة الدبلوماسية .يطرح تساؤلا حول التوازن بين الرغبة والقدرة. وما إن كانت روسيا بعد الفيتو قادرة أن تنال ثقة المعارضة السورية علما أن المعارضة السورية ليست صوتا واحدا هناك أصوات وأشكال عديدة معارضة للنظام السوري. وهذه الأزمة ستأخذ وقتها إلى حين توحد المعارضة ليتم على ضوئها انتقال السلطة، النظام السوري لم يعد يملك إلا الأوكسيجين الروسي والصيني، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن روسيا لا تستطيع أن تضع الفيتو للأبد، وتقف موقف المتفرج على الدماء التي تسيل في سورية.