عارضت روسيا والصين قرار مجلس الأمن الدولي يوم السبت الماضي «4 - 2 - 2012»، باستخدام حق النقض «الفيتو»، وللمرة الثانية خلال أربعة أشهر، مسقطة بذلك قراراً أممياً يدين أعمال القمع في سورية، ويؤيد المبادرة العربية لحل الأزمة السورية المتفاقمة، التي تهدد الاستقرار في سورية والمنطقة، مبديتا عدم اهتمام بما يحصل للشعب السوري من تزايد وتيرة العنف والبطش من النظام، ما أثار غضب الكثير من الدول، والشعوب والمنظمات الإقليمية والمحلية. تميز الموقف العربي من الفيتو الروسي - الصيني بالإحباط ورد الفعل القوي تجاه ما يحصل للشعب السوري، بأن اتخذت دول مجلس التعاون الخليجي قراراً فورياً بسحب سفرائها، والطلب من السفراء السوريين في هذه الدول المغادرة إلى بلادهم فوراً لزيادة الضغط السياسي على النظام السوري، وقبلها تم سحب المراقبين الذين نشرتهم جامعة الدول العربية، ما يجعل التكهن بما ستؤول إليه الخطوات السياسية التي تقوم بها الدول العربية، تجاه ما يحدث في سورية صعبة التخيل والتوقع. أما ما يتعلق بالموقف الدولي، فقد قامت الكثير من الدول الأوروبية والولاياتالمتحدة الأميركية باستدعاء سفرائها للتشاور، ومن الممكن أن يتطور الموقف إلى أكثر من استدعاء وهي: أميركا وبريطانيا وإيطاليا وبلجيكا وإسبانيا من أجل زيادة الضغط، إضافة إلى إقرار حزمة من العقوبات الجديدة لتضييق الخناق على النظام السوري اقتصادياً وسياسياً، من أجل لجمه عن قمع الانتفاضة الشعبية التي يقودها الشعب السوري. لقد ظهرت انعكاسات «الفيتو الروسي - الصيني» على الوضع الداخلي المتأزم أصلاً، بأن تزايدت وتيرة العنف من جانب النظام، الذي قرر الحسم الأمني، وبحسب قول وزير خارجيته وليد المعلم، في آخر مؤتمر صحافي عقده، للرد على المبادرة العربية، وقرار سحب المراقبين من جانب دول مجلس التعاون الخليجي، ما يجعل الحل السياسي والديبلوماسي، ومسألة الحوار الوطني، والتقاء مختلف الفرقاء، أمراً في غاية الصعوبة، نظراً لما يسببه النهج الذي سلكه النظام من ضحايا وكوارث على المستويين الإنساني والاجتماعي، ولذلك يعتقد الكثير من الخبراء والمحللين أن الموقف الداخلي سيزداد تعقيداً وعنفاً، وتنسد أفق الحلول في وجه كل من يريد الخير لسورية وشعبها، وسوف نشهد تصعيداً غير مسبوق في الأيام المقبلة. لم يكن التبرير الروسي والصيني لاستخدامهما «الفيتو» في مجلس الأمن مقنعاً لا للجانب العربي، ولا للجانب الدولي، ولذلك حاولت الدولتان إيجاد صيغة لتبرير مناسب لموقفيهما، وهو ما جعل القيادة الروسية توفد وزير خارجيتها سيرجي لافروف، ورئيس مخابراتها ميخائيل فرادكوف، إلى دمشق، في حركة ظاهرها أنها للتنسيق والتشاور مع القيادة السورية وحثها على التسريع في الإصلاح، وباطنها، وبحسب اعتقاد الكثير من الخبراء والمحللين، أن القيادة الروسية ستضغط على الأسد لإيجاد مخرج للأزمة، حتى وإن كان أحد بنودها تنحي الرئيس وتشكيل قيادة وطنية لإدارة البلاد والحفاظ على وحدتها. إن انعكاسات فشل القرار الأممي بسبب الفيتو الروسي الصيني النفسية على الشعب السوري ستكون كارثية، فسوف يشعر بأنه ترك لوحده في مواجهة آلة القمع العسكرية، ولذلك لن يكون له ثقة بأحد، بعد أن رأى كيف وقف العالم مع الشعب الليبي في مواجهة القذافي، وسوف لن يغفر للدول التي أسهمت في فشل الحلول التي حاول البعض تقديمها لحل الأزمة بشكل سلمي وتحفظ الدماء السورية، وكينونة البلد. من يقرأ قرارات مجلس الأمن الدولي، منذ تأسيسه بعد الحرب العالمية الثانية، يجد أن هناك قرار مساعدة كوريا الجنوبية عام 1950، قد اتخذ في غياب الاتحاد السوفياتي في ذلك الحين، بسبب مقاطعته للمجلس احتجاجاً على إعطاء مقعد الصين لجمهورية الصين الوطنية، وليس لجمهورية الصين الشعبية، ما جعل القرار ينفذ، وتتولى الأممالمتحدة إدارة القوات في كوريا الجنوبية، ولكن حتى هذه اللحظة لم يتخذ قرار خارج مجلس الأمن الدولي، إلا قرار الولاياتالمتحدة الأميركية عندما غزت العراق عام 2003، ما يجعل اتخاذ قرار أممي في ظل معارضة روسية صينية، في غاية الصعوبة للتدخل في سورية، إلا إذا اتجه المعنيون بالشأن السوري إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لاتخاذ قرار بخصوص مساعدة الشعب السوري، ولا أعرف مدى فاعلية القرار من ناحية التنفيذ، من الأممالمتحدة. هناك أيضاً مشكلة في المعارضة السورية، من ناحية عدم اتفاقها على موقف موحد، ولذلك نرى أن التهجم على بعضها البعض عبر وسائل الإعلام، هو سيد الموقف، ما يعوق الأطراف التي تحاول المساعدة، فقد وجه قائد الجيش السوري الحر العقيد رياض الأسعد عبر تلفزيون ال «بي بي سي» الاثنين الماضي، انتقادات لاذعة إلى المجلس الوطني، واصفاً إياه ب «المجلس الفاشل» الذي لم يقدم أي دعم إلى الشعب السوري. إن تبني النظام للحل الأمني لم يؤتِ بنتائج ناجعة وجيدة لحل الأزمة، بل على العكس، توسعت رقعة الأزمة وبدأت تنتشر في مناطق لم تكن مرشحة لانتشار الأزمة فيها، ولذلك نرى أن رهان النظام على احتواء الأزمة والقضاء عليها بواسطة القوة المفرطة من الأجهزة الأمنية، لن ينجح، وسيكتشف لاحقاً مدى الخطأ الذي ارتكبه لحل هذه الأزمة، ما يجعل الجميع يعتقد أن فرصة التوافق على حل داخلي معين، ومن الأطراف كافة قد انتهت، وأصبح الآن المطروح هو التدخل الخارجي، سواء عربياً أو غير عربي، بسبب تعنت النظام في بداية الأزمة، واستمراره في السير في الحلول الأمنية، والفوضى التي نتمنى ألا تحدث. إن عدم حل الأزمة السورية وتركها من دون أي تدخل، سيرفع من درجة التوتر في المنطقة، سواء على المستوى السياسي، أو على المستوى الاجتماعي والطائفي، نظراً لما تشكله سورية من تجمع كبير لعدد من الطوائف، بدأت تنتشر بينها المشكلات والانتقامات الطائفية، وكذلك موقعها في المنطقة، لذلك على الجميع، وعلى رأسهم روسيا والصين، أن يدرك مدى خطورة وتعقيد الموقف في سورية، وانعكاسه على دول وشعوب المنطقة من دون استثناء. * أكاديمي سعودي. [email protected]