تطالعنا الأخبار المتلاحقة من سورية بمشاهد القتل والتدمير وقصف الأحياء السكنية بالأسلحة الثقيلة والقاذفات، مشاهد يستحيل على الضمير الحي أن يتقبلها أو يبررها، ألفنا مشاهد الجثث الممزقة لأطفالٍ أبرياء لا تنطبق عليهم تهمة الإرهاب والتخريب بحال، وأخرى لرجال عزل من السلاح لا يرفعون سوى اللافتات والشعارات التي تنادي بالحرية والكرامة، صرخات الأطفال وعويل الأمهات وأنين الجرحى يستنجد ضمير العالم، ليس في الأمر معضلة تحير أصحاب الأفهام فالنظام هناك يصر على حكم شعبه رغماً عن إرادته، فإما أن يبيد الشعب وإما أن يذعن لحكمه كما فعلت مدينة حماة في ثمانينات القرن الماضي حين هدمت البيوت على رؤوس ساكنيها فقتل من أهلها الآلاف وشرد الآلاف وسط صمت العالم وتجاهله لتلك الكارثة التي ما زال بعض ضحاياها يقبعون في أقبية السجون أو يتوهون في أصقاع الأرض يبتغون ملجأ يؤويهم ويبعدهم عن قبضة النظام القمعي، لكن معطيات الوقت الحاضر قد تغيرت كثيراً عما كانت عليه يومذاك، لم يعد الاتحاد السوفيتي قائما بجبروته ينافح عن حلفائه ويتستر على جرائمهم بحق شعوبهم ولم تعد كاميرات ووسائل الإعلام عاجزة عن الوصول إلى الحدث لحظة وقوعه ونقله إلى العالم بصورته الحقيقية لتستصرخ الحقيقة ضمير العالم ولتستنهض همم الشعوب الحرة، ولم تعد دعوى التوازنات الاستراتيجية في المنطقة قادرة على تكميم أفواه الدول ومنعها من اتخاذ الإجراءات التي تضمن كف يد المعتدي وإيقاف سيل الدماء وتحقيق العدالة، لم يعد خافياً على أحد أن النظام المنبوذ من شعبه ومن العالم يصر على مواصلة القمع والقتل تحميه ربما إلى حين حسابات المصالح التي يقدمها بعض حلفائه على المبادئ والقيم الإنسانية بذرائع شتى، يساوم بعض أولئك الحلفاء ويماطل ويقاوم الضغوط الدولية بغية تحقيق أكبر ثمن يتخلى به عمن كان حليف الأمس كما يخبرنا التاريخ القريب، لكن ورغم تضارب المصالح الدولية وفشل مجلس الأمن الدولي في التوصل إلى قرار يدين العنف الممنهج ويكثف من الضغط على النظام، ورغم فشل جامعة الدول العربية في حل الأزمة ضمن إطارها ما زالت أنظار العالم تتجه نحو قوتين فاعلتين ينتظر منهما أن تحدثا التغيير المنشود، الولاياتالمتحدة التي تحمل مشعل الحضارة وتتبنى الدفاع عن مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان بمكانتها وتأثيرها الدولي، والمملكة العربية السعودية حاملة لواء الإسلام ورائدة التضامن العربي بثقلها الاقتصادي وبلحمتها الخليجية والعربية، متى ما تحركت هاتان القوتان فجمعتا أشتات التحالف الدولي سوف يتوقف نزيف الدم السوري. [email protected]