ليس مستغربا أن يكون سباق الهجن انطلاقا لمهرجان التراث والثقافة، فالهجن ظلت هي الرمز الشعري عند العرب منذ جاهليتهم حينما تغنوا بالنوق التي كانت تقطع بهم طول الصحراء حتى حضارتهم الراهنة حين استلهم الشعراء والفنانون التشكيليون والنحاتون من هذه النوق معالم فنية تجسدت في أعمالهم مستلهمين على مدار مشاركتهم المتعددة في مهرجان الجنادرية البيئة الصحراوية بصفتها الملهم والمؤثر على أحاسيسهم لارتباطهم الوثيق بالصحراء التي تمتد من شمال المملكة إلى جنوبها وشرقها بغربها حتى السواحل والمدن، فالصحراء تحيط بجبالها وهضابها، ووديانها. تفاصيل الناقة في التشكيل لم تغب الناقة بشموخها في كافة المعارض وكافة الأعمال؛ لنجدها عنصرا مشتركا في كثير من الأعمال بكثير من التفاصيل وزجها في صور تشكيلية بانورامية بكافة أشكالها وأنواعها؛ لتأخذ الحيز الأكبر في اللوحات، إنها أعمال مليئة بلون ضوء غروب الشمس واعمال تتموج بخضار النخيل، تطفوا فيها ظلمة الجبال والتلال البعيدة على ضوء القمر، شمس ساطعة الضوء وتفاصيل للناقة«سفينة الصحراء» بتعابير شموخها ووقوفها بجانب صاحبها، وهي محملة بالمتاع لتتنقل به من واحة إلى واحة. إنها لوحات تتفجر في أعماق النفس الإنسانية لتنصهر في أعماق اللاوعي وتربط الزمان بالمكان في إنسان الصحراء وارتباطه بوسيلة نقله الوحيدة في زمن مضى وأصبحت الناقة في وقتنا هذا إرث حضاري يتوارثه الأجيال حتى أصبح أحد أركان الجنادرية في مسابقة الهجن التي اعتدنا أن نراها سنويا، لقد اختلفت تلك الأعمال باختلاف شخصية المكان وتأثيرات الضوء للرؤية المشهدية في مساحات الظل للأشكال واستغلال المساحات لإيضاح انعكاسات الظلال على اللوحات. معرض جنادرية 27 تنوعت المشاركات المقدمة في المعرض الفني لجنادرية 27 هذا العام بين المدارس الفنية وأساليب توظيف الخامات في تشكيل الفن إلا أن الرسم الواقعي للبيئة السعودية كان مسيطرا على الأعمال بشكل ملحوظ، حيث تحتضن صالة الفنون التشكيلية في الجنادرية هذا العام أكثر من 500 عمل فني، في التصوير والخط والتصميم والرسم، بمشاركة أكثر من 450 فنانا وفنانة من مختلف مناطق المملكة كما سيقام في الصالة مجموعة ورش تشكيلية في الخط العربي، والنحت، والتصوير، والتشكيل، وستتم طباعة كل الأعمال المشاركة في كتاب يتضمن الأعمال وأسماء المشاركين والجهات المشاركة، ويعد المعرض دعما لفناني المملكة، بعرض انتاجاتهم، وهي فرصة للتعريف بتاريخ المملكة، من خلال الريشة. وإيصال رسالة ثقافية لجميع الزوار، تحكي لهم تاريخ الوطن بريشة فنان. الفنان التشكيلي فهد خليف المشارك في المعرض الفني في الجنادرية لهذا العام أكد أن الجنادرية فرصة سانحة لكل التشكيلين للمشاركة، حيث يرتاد المعرض سنويا الآلاف من المهتمين بالتراث والثقافة في المملكة، بل من خارج المملكة وأنه لزاما على المشاركين تقديم لوحات تراثية تحكي قصصا واقيعية عن الحياة الجميلة في المملكة. أما الفنانة علا حجازي فقالت «إن مشاركتي هذا العام في المعرض الخاص بالجنادرية، تعد إضافة إلى سجلي الفني فالوطن غال علينا جميعا وما نقدم من أعمال إنما هي تجسيد لتاريخ الوطن المليء بالإنجازات الحضارية والتاريخية». فيما أبدى الفنان عبد الله نواوي سعادته بالمشاركة، مؤكدا أنه شارك في جميع المهرجانات السابقة، وأن مساحة المعرض في كل عام في ازدياد متمنيا لجميع المشاركين دوام التوفيق. أما الفنان محمد الرباط الذي أشتهر بلوحاته التي جسدت الصحراء والخيل العربي والجمل، أكد أن المعرض يعد الرابط الحقيقي بين الفنان وبيئته لما يتمتع به من خصوصية فريدية في طرح عناصره ومفرداته التراثية. المشرف على الفنون التشكيلية في جمعية الثقافة والفنون باسم الشرقي، ألمح إلى أنه اختار مجموعة من الأعمال من فناني جدةومكة لتكون حاضرة في جنادرية هذا العام، وأن جميع تلك الأعمال تناولت البيئة الصحراوية للمملكة، والعناصر التراثية التي اشتهرت بها المملكة في أزمنة وأمكنة مختلفة. وأوضح الخطاط إبراهيم العرافي، أن الخط العربي سيكون حاضرا في المعرض بقوة، حيث يعرض أكثر من 100 لوحة خط عربي تجسد جماليات فنون الخط العربي، إضافة إلى عقد ورش فنية للخط العربي يوميا تستقطب زوار المهرجان والمهتمين بفنون الخط العربي. أمينة آل ناصر، قدمت 4 أعمال تراثية في هذا العام جسدت فيها التراث وربطته بالأصالة والحرف اليدويه القديمة، إضافة إلى تأثرها بالزخارف الإسلامية والرموز الدينية حتى أظهرت أعمالا فنية نابعة من تراث وحضارة مكةالمكرمة. فيما قدمت الفنانه هبة عابد لوحات تجريدية بالوان تراثية ومسطحات فنية اشتهرت بها الفنانة، حيث تحمل لوحاتها فكرا اكاديميا كونها تحضر دراساتها العليا في الفنون الجميلة. تكريم الرواد يكرم مهرجان الجنادرية لهذا العام التشكيليين الرواد وهم طه الصبان، بكر شيخون، عبد الله حماس، نوال مصلي، فوزية عبد اللطيف، عبد الله إدريس لما لهم من تأثير كبير في الساحة التشكيلية، حيث يعدون من الجيل الثاني الذي تبع الفنانين المؤسسين للتشكيل السعودي، وقد أسهموا بلوحاتهم على مدار أكثر من 50 عاما في الارتقاء بالتشكيل السعودي وخلق حراك فني على مستوى المملكة، أثر بالطبع على المشهد التشكيلي وأسس لمرحلة فنية جديدة تبعه فيهم كثير من الفنانين والفنانات.