تتوجس الزمرة المتبقية من الباعة في أسواق الغزة خيفة من شخوص المارين بين محلاتهم التجارية المتلاصقة، فتتربص أعين ثلة منهم بكل من تطأ قدماه المكان وهو لا يتوشح الإزار والرداء الأبيضين. فما إن دلفت راجلا بين ردهات المكان الذي تفوح منه رائحة التاريخ، يرافقني زميلي المصور ، حتى وقعنا تحت وطأة تلك الأنظار المحدقة التي خلقت فينا رغبة جامحة لكشف خفايا تلميحاتها، لنعرف لاحقا أن سر الرصد النظري الدقيق ، يكمن في مخافة الإزالة والنزوح الفوري من الموقع. كانت الغزة تمثل أقصر الطرق المؤدية لبيت الله الحرام، إذ أن قربها من المسجد المكي جعلها المنطقة الأكثر استقطابا للحجاج والمعتمرين في مواسم الحج والعمرة، كيف لا وهي الحارة الصغيرة الواقعة بين سوق الليل وشعب عامر، وشكلت أهم منطقة بجوار الحرم المكي التي سكنها الكثير من أبناء البلد الحرام كونها همزة الوصل بين حارات كثيرة من أبرزها القشاشية الواقعة في الجهة الشرقية من المسجد الحرام التي كانت تدخل في المسعى من جهة الصفا . الغزة الاسم المستجد لمنطقة بأكملها بحسب تعبير البائع الشهير هناك عبده ناصر راشد الذي التقيناه أمام محله التجاري يحتسي كوبا من الشاي: «تدخل الغزة وغيرها من الحارات القديمة مثل القشاشية والفلق والنقا والشعب ضمن منطقة سوق الليل الذي قضيت فيه ردها من الزمن قبل أن يزال بالكامل لكن اليوم اقترب رحيلي من هذا المكان فخلال أسابيع ستزال المحال التجارية هنا» . ويصف منازل الغزة « هنا البيوت ذات الأبواب الخشبية بنية اللون، التي تحتل نصف مساحة الحواري الضيقة، لتترك الباقي لعبور المارة عبر طرقاتها الترابية، لم تكن وحدها الميزة التي تميزت بها بيوت الغزة الكبيرة بأسماء قاطنيها من أعيان البلد الحرام، والتي كان يميزها الشكل الخارجي للشبابيك، بين الغولة والكبريتة حيث كان الناس يعيشون السعادة» . ويعرف البائع الشهير ماضي الغزة التراثي «الغولة عبارة عن ثقوب صغيرة في الشبابيك ولها أرفف توضع عليها الشراب، فيما تصنع الكبريتة من عصيان من الخصف توضع على شبابيك البيوت»، وبين الكبريتة والغولة تظل الرواشين الامتياز الحجازي للبيوت الغزاوية، والتي كانت تمثله . ويعود بالذاكرة لنصف قرن مضى حيث لم يفارق المكان والإنسان في الغزة فيقول : « من أبرز بيوت الغزة بيت عباس قطان أول رئيس لبلدية مكة الذي كان يحتفظ بالرواشين، لكن عملت لجنة الحج على استبدالها بأخرى من الألمنيوم مع أنها الوحيدة المتبقية من تراث البيوت المكية». ويروي العم محمد سقطي مفاصل التغيير في منطقة الغزة التي دامت لقرابة خمسة عقود « كانت جميلة ليالي الغزة ، نتسامر فيها ونلتقي في قهوة الحدود التي كانت تفصل بين القشاشية والبيوت القديمة وسوق الليل ومنها على زقاق الحجر موقع بيت السيدة خديجة بنت خويلد، ولا زلت أذكر أن تلك الملتقيات التسامرية أنجبت مثقفين وكتابا حيث خرجت الغزة كتابا من أمثال عابد خزندار وأول كاتب عدل هو الشيخ إعرابي سجيني» ولم تتوقف البراعة لدى الغزاويين عند حدود اللغة، بل تجاوزتها لصياغة الذهب والمجوهرات التي برع فيها آل الريس والمصلي ليقلد آل بدر مشيخة الصاغة في حقبة من الزمن، ومن بيوت الغزة التي برع صيارفتها في الاستفادة من مواسم الحج آل عياد وسفر. وفي محل تجاري متواضع لبيع الأقمشة في منطقة « الخريق» وسط غزة كان يجلس غانم مفرح يترقب زبائنه وهو المحل الوحيد الذي بقي من باعة الأقمشة ، فيروي لنا قصة المكان ويقول: « هذه المنطقة عرفت بالخريق وهي لم تكن سكنية بقدر ما كانت منطقة خدمات إذ كانت عبارة عن محطة لقدوم الحجاج ومغادرتهم وكان معظم سيارات الأجرة تقف فيها. أزقة الغزة الضيقة ... سوق عمل البسطاء وبين تزاحم الأجساد في الغزة بحثا عن لقمة العيش، يتكئ السبعيني غلام البلوشي على عربة صغيرة يدفعها منذ أزل، فقد احدودب ظهره واشتعل رأسه شيبا وهو يدور في دائرة المكان ( الغزة ) لا يريد عنها موئلا ، كان يمر في أزقة الحي حاملا بضاعة ينقلها بين دكان وآخر، استوقفناه لنرصد شيئا مما في ذاكرته « عشت زمنا طويلا، بل لا أبالغ أن قلت لكم أني أعرف هذا المكان ولم تكن المباني تغطيه كما الآن، بل كان آخر هذا الحي موشحا ترتع فيه حيوانات ضالة ، هذه الأرض تنبت خيرا وأملا ولا ضير إن تغيرت ملامح الحي بالتطوير، لكن ستبقى ذاكرتي مزدحمة بكل تفاصيل الماضي البهي لا سيما أن هذا المكان كان مصدر قوتي وأسرتي». سوق الليل يطل على السوق جبل خندمة من الجهة الشرقية وهناك تقع البقعة المباركة التى ولد فيها نبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وبجانب هذه البقعة من الجهة الجنوبية يقع جبل أبي قبيس المطل على الصفا. وكانت السوق تبسط ليلا وقيل سوق الليل بفتح السين لأن قريشا كانت تسوق الإبل والحمير من هذا المكان وقيل كان ذلك في زمن مقاطعة بني هاشم. كانت سوق الليل نشطة في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وليس لدينا ما يفيد أنها أنشئت في العهد الراشدي مما يقودنا إلى الاعتقاد بأنها كانت موجودة قبل الإسلام . والمعروف والمشهور لدى المكيين في السنين الأخيرة أنها سوق يجتمع فيها الباعة ليلا فسميت بسوق الليل بضم السين لا بالفتح فكان أهل مكة في الأسواق مثل: سوق الصغير وسوق المعلاة وأهل المنشيات من المسفلة وشعب عامر وغيرها يأتون إلى هذه السوق ليلا ليبيعوا ما بقي لديهم من الأطعمة و الأشربة بأي قيمة. سوق الليل مجمع عامة الناس من أهالي مكة وضواحيها لبيع طعام العشاء والإفطار وكان في هذه السوق باعة العصيدة والدخن والدقيق وهناك من يبيع اللحم ...وكان يوجد بهذه السوق أيضا الخدم يأتي إليهم من هو في حاجة إلى خدماتهم وهم لا يفارقون هذه السوق ليل نهار. أمثال شعبية داخل مع بيت العروسه نادر مع بيت العريس دلع الكبار زي الشقدف على الحمار ياريتني بيضه وعرجه اصلوا البياض فرجه.. (بضم الفا). ياخد القرد بماله يروح المال ويبقى القرد على حالو من محبته في عبيدو جعل العمر والرزق بيدو. اللي يشوفني بعين اشوفوا باتنين. اللي ماله أم حاله يغم. كنس بيتك ورشه ماتدري مين يخشوا. كل حبه مسوسه لها كيال اعور قلبي على ولدي انفطر وقلب ولدي علي حجر. مين في حالك يالي في الظلام تغمز