يختزل «أبوكرتون» مكونات جسده الضخم، وعضلاته المفتولة، في طلب ريال واحد فقط من المارة، فهو يلاحق كل من يمر بجواره، ولا يتركه في إلحاح واضح ،حتى يعطيه، فلا يملك الشخص إلا أن يخرج محفظته ويهبه إياه حتى يتخلص من ملاحقته، والتي قد تمتد إلى أمتار في شوارع الغزة ، حيث يتخذ «أبوكرتون» من سرادق العزاء في مقبرة المعلاة مكانا لاصطياد زبائنه من المتعاطفين مع حالته . وليست حالة «أبوكرتون» سوى واحدة من عشرات الحالات لمتشردين في شوارع العاصمة المقدسة، والذين ليسوا هم في حقيقة الأمر سوى مرضى نفسيين يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء، ومهما تباينت مشاكلهم النفسية والاجتماعية؛ إلا أن القاسم المشترك بينهم، هو الصمت المطبق، تتقاذف عدة جهات رسمية مسؤولية رعايتهم، حيث أكدت وزارة الصحة أن دورها ينحصر في تقديم الخدمات العلاجية، وعلى جهات أخرى تقديم الرعاية الاجتماعية، فيما تؤكد وزارة الشؤون الاجتماعية أن المسؤولية من صلب مهمات وزارة الصحة. مسؤولية مشتركة ومن جهتها دخلت حقوق الإنسان على الخط كطرف رابع، بحثا عن حل لهذه المشكلة، ورفعت توصياتها في تقرير خاص إلى الجهات المعنية بضرورة التدخل العاجل لمعالجة أوضاعهم، فيما حمل مدير مركز الدراسات الإسلامية في جامعة أم القرى وعضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور محمد السهلي، مسؤولية ظاهرة انتشار المرضى النفسيين في شوارع مكة، للشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة والجهات الأمنية. «عكاظ» نقلت معاناة هؤلاء الهائمين إلى مدير دار الرعاية الاجتماعية في مكةالمكرمة عبيدالله المسعودي الذي أخلى مسؤولية الدار، ورمى بالمسؤولية على وزارة الصحة قائلا : «لا علاقة لنا إطلاقا بهذه الفئة، وحتى مراكز الإخاء المخصصة لنقاهة الأمراض النفسية، أكملنا عملية نقلها إلى وزارة الصحة قبل ستة أشهر، وفق التوجيهات التي وصلتنا لتتولى تشغيلها والإشراف عليها».وأضاف المسعودي: « في وقت سابق ،عندما لاحظت الوزارة تزايد ظاهرة المرضى النفسيين، وانتشارهم في الشوارع، وعدم وجود جهة مختصة ترعاهم وتتلمس احتياجاتهم، عمدت لإنشاء واستئجار دور تكون بمثابة مراكز للنقاهة، لتقديم خدمات الرعاية الاجتماعية لمن لا عائل لهم، أو لمن تخلت عنهم أسرهم، وتشكيل فريق عمل من الأخصائيين لمتابعة الحالات، غير أنه اتضح في وقت لاحق أن مسؤولية رعاية هؤلاء تتطلب جهدا صحيا، حيث أقرت لجنة رفيعة ،بتحويل مسؤولية الإشراف على مراكز الإخاء إلى وزارة الصحة وهو ما تم فعلا، وأصبحت المسؤولية كاملة على وزارة الصحة. الناطق الرسمي في المديرية العامة للشؤون الصحية في مكة فواز الشيخ ،أخلى بدوره مسؤولية الصحة عن ملاحقة المرضى الهائمون في الشوارع وقال :«الجميع يعرف أن وزارة الصحة معنية بشكل كبير بالمرضى الذين يصلون إلى حدود المستشفيات باحثين عن الرعاية الصحية والتمريضية، وأدواتنا النظامية والآليات الموجودة لا تمكننا من القيام بهذا الأمر إطلاقا، وبلغة أدق لا تسمح لنا بالذهاب لعمل إحصائيات ميدانية، مشيرا إلى أن المبيت تحت الجسور من الظواهر الاجتماعية التي تقع في صلب اهتمام وزارة الشؤون الاجتماعية. أما الناطق الإعلامي في شرطة العاصمة المقدسة المقدم عبد المحسن الميمان ،فأكد أن عناصر الأمن لا يتوانون في مباشرة أية حالة، لأن من مهماتها حفظ الأمن والسهر على راحة الجميع، مشيرا إلى أن هناك حالات كثيرة لمرضى نفسيين تمت مباشرتها ونقلها عبر إسعاف الهلال الأحمر إلى المصحات العلاجية