العقوبة في الشريعة الإسلامية على قسمين: حد وتعزير، والحد ما كانت عقوبته مقدرة بنص صريح في الكتاب أو في السنة المطهرة، كحد السرقة، وحد الزنا للمحصن ولغير المحصن، وحد شرب الخمر، وحد القذف... إلخ، أما التعزير فيرد على الجرائم التي لم تحدد لها عقوبة بالنص الصريح في الكتاب أو السنة. والتعزير - في عمومه - ثابت بالدليل من القرآن الكريم، كما في التوجيه بهجر النساء في المضاجع أو ضربهن بعد وعظهن إذا خيف نشوزهن، كما أنه ثابت بالسنة المطهرة قولاً وفعلاً، وكذا بما أجمعت عليه الأمة في كل جريرة أو جناية لم يجب لها الحد. التعزير بالحبس: وأمر تحديد مدة الحبس في الفقه الإسلامي مفوض لولي الأمر، وكذا الجرائم التي يكون التعزير فيها بالحبس مما لم يرد في شأنه نص بحد، كأكل الربا والضرب الذي لا ينشأ عنه جرح. والحبس في الفقه الإسلامي كما أنه يرد في الجرائم فإنه يرد أيضاً في الديون كما أجاز ذلك الفقهاء، إذ أوجبوا الحبس في الدين كثيراً كان أم قليلاً، بشرط أن يكون الدين حالا، وكذا بشرط قدرة المدين على الوفاء بالدين، وأن يكون التأخير راجعا لمطله، فإن كان معسراً فلا يحبس؛ لقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} [ سورة البقرة: 280]. والحبس في الديون لا يكون إلا بطلب الدائن، وهو ما يعرف في فقه القانون المعاصر بالجرائم التي لا تقوم الدعوى العمومية فيها إلا بناء على طلب المجني عليه، أما في الجرائم الأخرى فإن شأن الحبس فيها متروك لتقدير ولي الأمر تحديد هذه الجرائم وتحديد مدة العقوبة. والحبس في الفقه الإسلامي كما يكون للدين الحال، فإنه يكون للتهمة التي لم تثبت بعد ويجري التحقيق فيها، وهو ما يعرف في فقه القانون الحديث بالحبس الاحتياطي على ذمة القضية، كما يجوز أن يكون الحبس في منزل المحبوس نفسه، وهو ما يعرف في المصطلح القانوني المعاصر بتحديد الإقامة، ولكن الغالب أن يكون الحبس بالوضع في السجن. وإذا كان شأن الشريعة الإسلامية هو الرفق والتيسير، فإنها حتى في تنفيذ عقوبة الحبس، لم تشذ عن شأنه السمح هذا، فقد أحاطت قواعدها العامة هذه العقوبة بالرفق وبمنع إيذاء المسجون، فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإن قتلتم فأحسنوا القتلة، وإن ذبحتم فأحسنوا الذبحة» فمن باب أولى أن يفهم من هذا الحديث الإحسان إلى المسجون بعدم العنت به والمشقة عليه. وها هو نبي الرحمة يعلمنا أن الله يأمرنا بالإحسان في كل شيء، حتى في تنفيذ أقصى العقوبات، وهي عقوبة القتل قصاصاً، فمن الإحسان أن تستعمل الوسيلة التي تنهي حياة الجاني قصاصاً سريعاً دون تعذيب له أو تنكيل به، وإن كان الحد قصاصاً في عضو أو في جزء من عضو فإن متون الفقه الإسلامي تمتلئ بما اشترطه الفقهاء في تنفيذ مثل هذه الحدود من أقصى درجات الرفق تحقيقاً لا للعدالة وحدها بل للرحمة التي هي سمة الإسلام حتى مع الجناة. * القاضي في المحكمة الإدارية بجدة.