تتبعنا تجربة الانتخابات البلدية على مستوى المملكة كلها، وهي تجربة ناجحة في حد ذاتها، في مجتمع يتهم ظلما بأن ثقافة الانتخابات فيه ضعيفة أو غير ناضجة، ومثل ذلك يقال عن انتخابات مجالس الأندية الأدبية، والتي يفترض أن تكون متميزة وناجحة، لأنها تتم في وسط ثقافي وبيئة واعية بأهمية الانتخابات وضرورة نجاح تجربتها، وبين هذا وذاك كانت تتم انتخابات في كل عام أو عامين في الغرف التجارية والصناعية وميدانها القطاع الخاص. وقد آن الأوان أن تطبق الانتخابات في الجامعات في المملكة، بعد أن تعددت وانتشرت حكوميا وأهليا، وذلك لعدة اعتبارات، منها: ملائمة الجامعات لمفهوم الانتخابات ومناسبة بيئتها العلمية ومجتمعها الأكاديمي لذلك. ومنها تحقيق الهدف الرئيسي للانتخابات وهو تولية الأكفأ والأجدر خبرة وعلما سواء في الجامعة أو هذا المجلس أو ذاك، وأحسب أن الجامعات أنسب بيئة وأشد حاجة لتحقيق هذا الهدف، إذ سوف يتولى رئاسة القسم أكفأ أهل الاختصاص فيه، وسوف يتولى عمادة الكلية في أي جامعة الأكفأ في الكلية الواحدة، وقس على هذا انتخاب القيادات العليا في الجامعة من وكلاء ونحوهم. إن تطبيق تجربة الانتخابات في الجامعات لن تأتي بالأكفأ والأجود إداريا وأكاديميا في المناصب فحسب، وتحقق تنافسا في الإدارة الجامعية، وتميزا وتماثلا مع كثير من الجامعات العالمية المرموقة فحسب أيضا، وإنما سوف تؤصل وتعجل بنضج التجربة الانتخابية في المملكة، التي تسعى الدولة وفقها إلى تأكيدها ونشرها تدريجيا، لأن الجامعة في أي منطقة منارة ومثالا يقتدى به، أو هكذا ينبغي أن تكون، فهي بحث وتعليم وتدريب وتطبيق، ومجتمعها مثقف، ووعيها ناضج، وهي التي تمد المجتمع بموظفيه وقياداته، في مختلف القطاعات والجهات، ومن ثم، فإن الجامعات أولى بالانتخابات منذ زمن، فوظيفتها وأهدافها هي الأحق، وبيئتها ومجتمعها هي الأنسب. ولنا في الناذج العالمية بعيدا قدوة وأسوة والقطاعات البلدية والأدبية لدينا قريبا دعما ونجاحا لها. وإذ كانت الجامعات كانت قليلة، وسهولة اختيار مناصبها والقيادات فيها معروفة من قبل، فإن كثرتها اليوم وتوزيعها وكبر مجتمعها وتعدد كلياتها، وتخصصات تستدعي الحاجة إلى صندوق الانتخابات، ليرشح أهل البيت أي الجامعة الواحدة الأكفأ والأجدر للمناسب القيادية فيها، ابتداء من رئيس القسم العلمي، ولا مانع أن يكون الترشيح متعددا لاثنين للمنصب الواحد، فهو أفضل وأنسب من أسلوب الاختيار الفردي أو السؤال المحدود المتبع حاليا فيها، في وقت بدأ التنافس والطلب محموم على المناصب القيادية في الجامعة، كجزء من مؤسسات المجتمع الأخرى، وبدأت المناطقية والإقليمية والزمالة، وحتى الجيرة والحارة والمصاهرة تطل وتؤثر في بعض المناصب في المجتمع، والجامعة إحدى مؤسساته القيادية، وربما تؤثر مستقبلا بالنسبة للجامعة، حتى في اختيار المعيدين أو مناصبها المهمة. والمرحلة الحالية التي يعيشها مجتمعنا مهيئ تماما، لأن تطبق الانتخابات الجامعية، وربما تكون نموذجا بحكم طبيعتها في هذا المجال لمؤسسات المجتمع الأخرى، وأتذكر أن مشروعا أو دراسة قدمت منذ عشر سنوات أو أقل، حول الانتخابات في الجامعات، حتى أنها أوصت بأن يستبدل مسمى مدير الجامعة باسم رئيس الجامعة، ومن ثم فإنه يمكن أن يستفاد من تلك الدراسة وتثري بالمستجدات والمتغيرات للاختصار والتعجيل بالمبدأ. أ. د. سليمان الرحيلي باحث وأستاذ أكاديمي – جامعة طيبة