تحدثنا في المقال السابق حول تعامل القرآن مع منهجية التغيير من خلال ثلاثية (العقل - القلب - النفس) ونواصل بعون الله تعالى تفاعل القرآن مع القلب {ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون} فالسلوك (اقتراف الفعل) يظهر نتيجة استجابة القلب لنداء العقل ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) أي انصتت قلوبكما لصوت العقل فكان الفعل وهو التوبة. (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) [البخاري ومسلم] فهناك صراع بين القلب والهوى. والقلب هو وعاء الإيمان وحلاوة الطاعة وأنس المعرفة (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ويحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر، بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار ) متفق عليه وعند انتصار الهوى يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن) البخاري. فعند السرقة أو الزنا أو القتل تتغلب مشاعر الهوى والشهوة وتغيب قوة الإيمان. ولذلك الإيمان أولا: عندما نرى سلوكا معوجا من أبنائنا أو انحرافا أخلاقيا كالتهاون في الصلاة أو شرب خمر ... إلخ وبعد التذكير وإقناع العقل نحتاج لملامسة القلب «ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب» ( اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا و بين معاصيك ) صحيح الجامع. هيا للحصول على قلب أبيض: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: «تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مربادا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه، و قلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السماوات و الأرض». وتحويل القلب لأبيض يبدأ بتعامله واستجابته للقرآن من خلال صدق التلقي وحلاوة التطبيق في سورة الإسراء ( قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا (107) ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا (108) ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) فنحتاج لانشغال القلب بالقرآن ليعاد صياغته من جديد ويمتزج العقل مع القلب ليحدثا التغيير المطلوب بواقعنا. وللحديث تتمة. * مستشار أسري [email protected]