كتب محرر الشؤون السياسية لا شك أن المبادرة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز في القمة الخليجية التي عقدت في الرياض مؤخرا، والداعية إلى اندماج دول الخليج في «كيان واحد» تمثل خيارا استراتيجيا، ونقلة نوعية متميزة في تاريخ مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ تأسيسه قبل 31 عاما. ولا شك أن هذا الطرح الجريء لم يأت من فراغ، كما أنه ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة لحاجة ملحة، أماطت عنها اللثام حكمة خادم الحرمين الشريفين وبعد نظره، والذي قال ما حرفيته في خطابه أمام قمة الرياض: «لقد علمنا التاريخ وعلمتنا التجارب أن لا نقف عند واقعنا ونقول اكتفينا، ومن يفعل ذلك سيجد نفسه في آخر القافلة ويواجه الضياع وحقيقة الضعف، وهذا أمر لا نقبله جميعا لأوطاننا وأهلنا واستقرارنا وأمننا. لذلك أطلب منكم اليوم أن نتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد يحقق الخير ويدفع الشر إن شاء الله». ولكن ما هو هذا ال «كيان واحد»؟ وما المقصود به؟. لقد أجمع المراقبون والمحللون على أن الصيغة الأمثل لما طرحه خادم الحرمين الشريفين، هي «الكونفدرالية» أو الاتحاد الكونفدرالي، وهذا الاتحاد هو شكل من أشكال الاتحادات المعاصرة بين الدول ذات السيادة، مثل الاتحاد الأوروبي، وتعرفه موسوعة ويكيبيديا بالآتي: «رابطة أعضاؤها دول مستقلة ذات سيادة، وتفوض، بموجب اتفاق مسبق، بعض الصلاحيات لهيئة أو هيئات مشتركة لتنسيق سياساتها في عدد من المجالات؛ وذلك دون أن يشكل هذا التجمع دولة أو كيانا وإلا أصبح شكلا آخر يسمى بالفيدرالية. فالكونفدرالية هي اتحاد دائم للدول ذات السيادة للعمل المشترك في ما يتعلق بالدول الأخرى. وعادة ما تبدأ بمعاهدة، ولكنها غالبا ما تلجأ في وقت لاحق إلى اعتماد دستور مشترك، وتنشأ الكونفدراليات للتعامل مع القضايا الحساسة مثل الدفاع والشؤون الخارجية أو العملة المشتركة، حيث يتعين على الحكومة المركزية توفير الدعم لجميع الأعضاء». ويسمى هذا الاتحاد أحيانا الاتحاد الاستقلالي، أو التعاهدي. ومن أهم مرتكزاته بقاء أعضائه ذوي سيادة ومستقلين، كما يظل رعايا كل دولة من دول الاتحاد محتفظين بجنسيتهم الخاصة، بينما يتولى المسؤولون عن الاتحاد الكونفدرالي شؤون الدفاع أو السياسة الخارجية، أو السياسة البترولية، وربما إصدار العملة النقدية الموحدة بين الأعضاء. إذن الكونفدرالية تتكون باتحاد دولتين أو أكثر من الدول المستقلة، وليست أقاليم، لتحقيق أهداف مشتركة بموجب عقد معاهدة بينها وتشرف على تنفيذ نصوص المعاهدة هيئات مشتركة بين الدول الأعضاء، التي تتمتع باستقلالها التام، وترتبط ببعضها نتيجة مصالح عسكرية، اقتصادية أو سياسة. كما هي الحال في الاتحاد الأوروبي. وفي ما يلي بعض مبادئ عامة يقوم عليها الاتحاد الكونفدرالي: - لكل دولة عضو من أعضاء الاتحاد الكونفدرالي ممارسة السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي الفعلي. - لدول أعضاء الدولة الكونفدرالية حق إعلان الحرب، على عكس أعضاء الدولة الفيدرالية (حكومات الأقاليم)، كما أن الحرب التي تحدث بين أعضاء الدولة الكونفدرالية تعتبر حربا دولية، أما الحرب التي تحدث بين أعضاء الدولة الفيدرالية فهي حرب داخلية (إقليمية). - كل خرق للقانون الدولي من جانب أحد أعضاء الدولة الكونفدرالية يتحمل نتائجه وحده وليس بقية الأعضاء. - تشرف على الدولة الكونفدرالية هيئات مشتركة بين الدول الأعضاء. - مواطنو الدولة الكونفدرالية يتمتعون بجنسية بلدهم وليست هناك جنسية موحدة للدولة الكونفدرالية. - في الاتحاد الكونفدرالي يتعدد رؤساء الدول بتعدد الدول، حيث لكل دولة رئيسها، على عكس الدولة الفيدرالية التي تتميز بوحدة رئيس الدولة وسيادة موحدة، أي الدولة الكونفدرالية لا تعتبر دولة موحدة تضم بين جنباتها دويلات أعضاء، بعكس الدولة الفيدرالية التي تعتبر دولة على الصعيدين الداخلي والخارجي. ويبقى أنه مهما كان تعريف الكونفدرالية، فإن مبادرة خادم الحرمين الشريفين هذه تهدف بدون شك إلى تحقيق رؤيته السياسية الثاقبة التي تضمن المستقبل الزاهر لمنطقة الخليج العربي في الحاضر والمستقبل، من خلال التكامل والوحدة الفعلية بين الدول الأعضاء، والتصدي لكل من يحاول النيل من دول الخليج، من خلال تعزيز وتحسين مسيرة التطوير والإصلاح الشامل وتطوير التعاون الاقتصادي والأمني والدفاعي بين دوله، إضافة إلى تعميق الانتماء المشترك لشباب الخليج وتحسين هويته وحماية مكتسباته.