في الوقت الذي تشير فيه معظم الدلائل إلى أن أزمة الاسكان مرشحة نحو المزيد من التفاقم لبطء الحلول الحكومية وارتفاع كلفة التمويل والبناء، لايزال البعض يتشبث بأمل ضعيف في نهاية النفق، لإحداث تحول نحو الحل يقوم على التوسع في الاسكان الميسر والاقتصادي، وتأسيس شركات مساهمة لبناء المساكن. وفيما يقترح خبراء الاسكان بضرورة إقرار بدل السكن سريعا لموظفي الدولة والحد من ارتفاع اسعار مواد البناء، يتفق الغالبية منهم على أهمية تسريع طرح ملايين الأمتار داخل النطاق العمراني للبيع أو البناء من أجل زيادة المعروض من الوحدات السكنية متكاملة الخدمات دون انتظار خطط تطوير عشرات المخططات البعيدة عن العمران. وقد برزت ازمة الاسكان بشكل ملحوظ بالمملكة في السنوات الخمس الاخيرة التي شهدت ارتفاعا في اسعار الاراضي حيث تجاوزت الاسعار ما نسبته اكثر من 200 % للمواقع المتميزة، في حين تكلف الارض 60 في المائة من كلفة البناء بالكامل. أكد خبراء الاسكان بأن ازمة الاراضي الصالحة للبناء مفتعلة الى حد كبير لصالح قلة من العقاريين الذين دأبوا على اجراء عمليات بيع وشراء وهمية للايقاع بالباحثين عن اراض من اجل البناء في حين أن مرتبات المواطنين لم تشهد زيادة سوى بمقدار 30 في المائة فقط. الإسكان الميسر وبرغم اهمية الحلول التكاملية لمشكلة الاسكان من قبل القطاع الحكومي والخاص الا أن بعض الاراء تتفق على اهمية أن يكون لوعي المواطن دور أكبر لتغيير التوجه نحو الاسكان الاقتصادي والميسر. وهنا يقول الاقتصادي عبدالله السالمي بأن الظروف الاقتصادية والارتفاع الكبير في الاسعار حتم على غالبية السعوديين تغيير نمطهم الحياتي والتوجه نحو الاسكان الميسر، معتبرا تجربة أمانة العاصمة المقدسة في بناء اكثر من 2200 وحدة سكنية نموذجا يمكن أن يحتذى به. ودعا السالمي إلى ضرورة تعميم نماذج المنازل الاقتصادية التي تقلل من تكلفة الاسكان بنسبة 40 في المائة بالتعاون بين البلديات وخبراء الاسكان وإلى استغلال مساحات الشقق السكنية بحيث يمكن أيضا استخدام قطع الاثاث متعدد الاغراض وترشيد استخدام الغرف، معربا عن ارتياحه لارتفاع مستوى الوعي لدى الكثير من المواطنين بأهمية اشتراكهم بأنفسهم في بناء مساكنهم لتوفير اكثر من 20 – 30 الف ريال من تكاليف المتابعة والاشراف، فضلا عن أن حضور المالك ومتابعته العمل بنفسه يدفع العمال إلى عدم هدر المال، وترشيد استخدام مواد البناء. وأشار السالمي إلى انه بالرغم من اهمية الدور الذي تقوم به شركات القطاع الخاص في التطوير والبناء، إلا أن الدور الأكبر في حل الأزمة يمكن أن تنهض به شركات مساهمة يشارك فيها المواطنون على أن تطرح الوحدات بهامش ربحي بسيط بعكس القطاع الخاص الذي يبالغ في تحديد حصته الربحية. مؤكدا بأنه يمكن الاستفادة في ذلك من تجارب الجمعيات التعاونية في الكثير من الدول التي نجحت في توفير السلع الغذائية بأسعار أقل 20 في المائة من السوق، وهو ما يواجه بانتقادات حادة من جانب القطاع الخاص الذي لايبحث سوى عن الربح بالدرجة الاولى. ضوابط نجاح المساهمة ويؤكد العقاري أحمد السعيد أن نجاح تجربة الشركات المساهمة في البناء يجب أن تقترن باعتدال الأسعار وتنفيذ المساكن بجودة عالية، حتى تحظى بإقبال جيد يضمن لها النجاح المستمر. ورأى أن التصدي لمشكلة الارتفاع المستمر في أسعار مواد البناء يمكن أن يمثل عاملا مهما للغاية نحو تخفيض أسعار الوحدات السكنية مشيرا إلى أن الكثير من التجار والمصانع دأبوا على افتعال الأزمات وتجفيف السوق من مواد البناء لكي ترتفع الأسعار. وطالب السالمي بضرورة إقرار بدل سكن لموظفي الدولة لمساعدتهم على مواجهة الأعباء المتزايدة في الايجارات، مقللا من شأن الآراء التي تدعو لعدم إقراره بدعوى أن ذلك سيؤدي مجددا لارتفاع الايجارات. مضيفا أن تجار العقار يواصلون رفع الأسعار على هواهم ولا ينتظرون أي اجراء من جانب أية جهة سواء كانت حكومية أو خاصة مجددا تأكيده على أن صرف بدل السكن بمعدل 3 أشهر في العام يمكن أن يمثل قوة دعم إضافية لجميع الموظفين الذين تزيد رواتبهم عن الستة آلاف ريال، وسيوجه الاهتمام بموظفي الحكومة من محدودي الدخل حتى ينعموا بفرصة أكبر لتحسين دخولهم ومواجهة ارتفاع الايجارات. ويرى السالمي أن ملاك العقارات مسؤولون عن الجزء الاكبر من اشكالاتهم مع المستأجرين لاصرارهم على رفع الايجارات باستمرار دون النظر إلى قدرات المستأجرين المادية، في حين توجد عدة شرائح من المستأجرين تنتظم في دفع الايجار وأخرى كانت منتظمة لكن عند رفع الايجارات تعثرت في الدفع، أما الشريحة الثالثة فقد دأبت على التهرب من السداد على الرغم من قدراتها الجيدة. مشددا على ضرورة انشاء محاكم عقارية مختصة لحسم الاشكاليات المتزايدة بين المستأجرين والملاك. منع احتكار الأراضي وعلى العكس من الاراء السابقة رأى العقاري طارق الغامدي أن مشكلة الاسكان لن تنتهي إلا بإيقاف احتكار الاراضي البيضاء داخل النطاق العمراني, الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعارها بنسبة كبيرة في السنوات الأخيرة، وقال: يجب تخيير هؤلاء العقاريين بين البيع لزيادة المعروض من الوحدات السكنية أو دفع رسوم على الأراضي البيضاء تزيد من تكلفتها دون استثمارها. وشدد الغامدي على أهمية إعادة النظر في نظام البناء الراهن والتركيز على التوسع الرأسى لمضاعفة أعداد الوحدات السكنية في المساحات المخصصة للبناء. مشيرا إلى الاحساس الخانق بأزمة السكن في الآونة الاخيرة يعود إلى ارتفاع معدل التضخم وثبات الرواتب وزيادة طوابير الانتظار في قوائم الصندوق العقاري الذي فتح المجال على مصراعيه في تلقي الطلبات دون شرط الارض، وهو ما لن يحل المشكلة وإنما سيفاقمها نظرا لمحدودية موارد الصندوق على الرغم من الدعم الكبير الذي حظي به مؤخرا من جانب خادم الحرمين الشريفين. وناشد الغامدي كل المقترضين من الصندوق ضرورة المسارعة بسداد ماعليهم من أقساط والاستفادة من خصم 20 في المائة من قيمة الأقساط في حالة الالتزام الكامل بالمواعيد. وقال إنه لاتوجد دولة واحدة تقدم هذا الحافز في حين يتعمد البعض عن التخلف عن السداد في انتظار أن يحدث أي طارىء يؤدي إلى المزيد من الاعفاءات. وطالب بضرورة تطبيق قرار مجلس الوزراء بنزع ملكية العقارات للمصلحة العامة والصادر منذ عام 1424ه مشيرا إلى أن ذلك قد يحدث نوعا من التوازن بين العرض والطلب. بورصة عقارية من جهته، اتفق معاذ بخاري مع الآراء الداعية إلى المزيد من الشفافية والوضوح والتي يفتقدهما السوق العقاري بصورة كبيرة. وقال إن قطعة الأرض الواحدة تعرض حاليا بأسعار متفاوتة في عدة مكاتب عقارية حسب الاجتهادات الفردية وهو ما يضر بالمشتري والبائع في آن واحد. مطالبا ببورصة عقارية نشطة وفعالة يتم من خلالها الاطلاع على أسعار الاراضي والايجارات على مدار الساعة مشيرا إلى أن ذلك يضمن عمليات بيع وشراء عادلة بدلا من حالات التغرير العديدة التي تم ضبطها مؤخرا. ولم يستبعد بخاري في الوقت ذاته أن تواجه عمليات التطوير العقاري مشاكل متعددة في المرحلة المقبلة نتيجة غياب الرقابة الفاعلة على الشركات العقارية التي نشأت من أجل هذا الهدف بالدرجة الأولى. مستغربا التراجع الملحوظ في عمليات البيع والشراء في الأشهر الأخيرة بعد أن وصلت الأسعار إلى معدلات مرتفعة تفوق القدرة الشرائية للكثيرين وذلك على الرغم من أهمية السكن في توفير الراحة والاستقرار للمواطن والمقيم. وأضاف أن نسبة التملك في المملكة في تراجع مستمر مقارنة بالعديد من الدول الأخرى التي ارتفعت فيها النسبة إلى اكثر من 80 في المئة بسبب التوسع في عمليات الاقراض عبر البنوك. ودعا في الوقت ذاته إلى التريث في إقرار الرهن العقاري من أجل التأكد من جدواه لكافة الأطراف خاصة فيما يتعلق باستيفاء الحقوق بالعدل ودون انحياز لطرف دون آخر.