وسط تحولات تاريخية في البنية السياسية والاجتماعية العربية، وفي زمن صعب أن نتخذ فيه القرار، جاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين التي أطلقها في قمة الرياض الخليجية للانتقال من صيغة التعاون إلى مرحلة الاتحاد الخليجي، بمثابة الترياق للخليجيين ضد سموم التدخل الخارجي، إذ شكلت الدعوة خارطة طريق جديدة على المستوى الخليجي. قد تكون دعوة الملك عبدالله مفاجئة للعالم الخارجي، إلا أنها لم تكن مفاجئة لنا في المملكة؛ لأننا نعلم جيدا أن الملك عبدالله، حكيم الأمة، صاحب رؤية استراتيجية، وقائد يغار على أمته، ولديه نظرة واقعية واستشعار أمني وسياسي للمخاطر الكبرى التي تهدد منطقتنا. لقد جاءت دعوة الملك في توقيت دقيق ومفصلي في حياة أمتنا وشعوبنا حيث يتربص لنا الأعداء، والخطر يحيط بالمنطقة، ثورات واحتجاجات عربية، وتدخلات إقليمية، وعدو إسرائيلي يحيك المؤمرات، وتحولات كبرى دولية، لا يمكن أن نتغلب عليها إلا عبر تحصين الجبهة الداخلية الخليجية وتحديدا عبر إنشاء الاتحاد الخليجي، من أجل بناء خليج جديد برؤية موحدة قادر على التعامل مع المتغيرات وأخطار المرحلة واحتياجات الأمة الاستراتيجية لمواجهة القضايا التي تهدد كياننا، كما أنها طرحت من قائد سياسي بارز في المنطقة وفي زمن التشرذم والتفتت الذي تشهده الكثير من البلدان العربية، هذه الدعوة للانتقال من مرحلة التعاون إلى التوحد في كيان متكامل، انعشت من جديد الآمال التي كانت يوما ما حلما لدى الشعوب العربية. إن الاتحاد الخليجي المرتقب سيعمل على ازدهار منطقة الخليج، وسيعطي قوة دفع للعرب، وليس هناك شك أن اعتماد قادة الدول الخليجية اقتراح الملك عبدالله وتشكيل لجنة خليجية لمتابعة إنشاء المجلس سيعطي دفعة قوية لمقترح الملك عبدالله، لأن قادة دول المجلس أصبحوا على يقين أنه لا يمكن مواجهة أعداء الأمة إلا عبر الاتحاد، ففي الاتحاد قوة . وفي ظل هذه الموجة الضبابية التي اختلطت فيها الأمور، ما أحوجنا إلى التوحد بدل الاختلاف، وإلى الرؤية المشتركة خاصة أن الانتقال خليجيا من التعاون إلى الاتحاد لن يترك أثرا إيجابيا علينا فقط، وإنما سينعكس إيجابيا أيضا على الوضع العربي وتعزيز التوازن الاستراتيجي المفقود في المنطقة. إن الصدى العربي والدولي لدعوة خادم الحرمين، غير مستغرب في ظل الظروف والمتغيرات المفصلية. التي تحتاج إلى رؤية حصيفة ودقيقة في التفاصيل، وفي ظل هذه المقدمات جاء خطاب الملك بمضامينه المهمة، ليكون بالفعل الترياق ضد سموم الآخرين، وكل من يريد السوء بمصالح الدول العربية.. فلنبدأ على بركة الله.. فالتاريخ لن يتكرر ويكرر معه ملكا يعرف متى يتحدث ومتى يقرر ومتى يبادر.