مع بداية كل قمة خليجية يتدفق سيل من التساؤلات والتطلعات الخليجية حول أهمية توقيتها، والقضايا التي سوف تناقشها، إلا أن القمة الخليجية التي انطلقت في الرياض، تشكل أكبر تحد لدول مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه، باعتبارها القمة الأولى التي تعقد منذ اندلاع ما يسمى بالربيع العربي، فضلا عن التدخلات الإقليمية في الشؤون الخليجية، الأمر الذي يتطلب شفافية واستراتيجية واضحة المعالم للتعامل بحيطة وحذر مع ما قد تتمخض عنه الأوضاع في سورية في المرحلة المقبلة، وسط خلل في ميزان القوى الاستراتيجية في المنطقة. ولا يمكن أيضا تجاهل المتغير العراقي بعد انسحاب القوات الأمريكية مع تبعات الربيع العربي، وضرورة عودة العراق إلى محيطه الإقليمي. فعلى أجندة القمة ال32 التي تواجه هذا التسونامي في المنطقة العربية والمتغيرات الإقليمية والصراعات الدولية، قضايا لا نبالغ إذا قلنا إنها مصيرية واستراتيجية، ومثقلة في خضم تحولات وتحديات عديدة ورياح تغيير عاتية وتلاطم عنيف للأمواج لم نعد نعرف خلالها العدو من الصديق. لكن حكمة قادة الخليج عودتنا في كل مرة على النجاح والاستعداد لكل التطورات، والفطنة والعملية في التعامل مع المستجدات الخطيرة، ناهيك عن القدرة على تلمس أولويات احتياجات المواطن الخليجي الذي يرغب أن يشعر بالتغيير الإيجابي لمصلحة التعامل مع متطلباته الملحة خاصة أن سقف الآمال الخليجية من قمة الرياض كبير وعال لتحقيق آمال الشعوب. لقد نجحت دول مجلس التعاون في امتحانات عديدة سابقة وأثبت المجلس صموده في وجه الأعاصير والحفاظ على الأمن والاستقرار بفضل وقف التدخلات الخارجية عبر تحصين الداخل الخليجي. إن حاجة المجلس اليوم أكثر من أي وقت مضى للتماسك والسعي لتحقيق الوحدة، وأجندة سياسية واقتصادية وعسكرية واحدة لأن قوة المجلس تكمن فقط في وحدته وتكامله. وليس لدينا شك في أن قادة دول المجلس سيتعاملون مع الواقع الجديد الذي فرضته أحداث الربيع والتدخلات في الشأن الخليجي وضرورة التعامل معها بأسلوب عملي واضعين في الاعتبار استراتيجية متوسطة وطويلة المدى للتعامل مع الأزمات بشكل فعال وتعقل وحكمة وبعد نظر لاستمرارية تماسك المنظومة الخليجية والحفاظ على وحدة واستقلال التراب الخليجي وإبعاده عن دائرة الخطر لكي يتمتع أهل الخليج بالاستقرار في الفصول الأربعة.