تنعقد قمة دول مجلس التعاون الخليجي الثانية والثلاثون في الرياض غدًا وسط ظروف وتحديات صعبة، لا سيما مع تلبد أجواء الأمن والاستقرار وتدني الوضع الاقتصادي في بلدان الربيع العربي، فيما تواصل إيران تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجية، إلى جانب تطوير برنامجها النووي الغامض، وفيما تواصل إسرائيل اعتداءاتها وانتهاكاتها للقرارات والاتفاقيات الدولية في الأراضي الفلسطينية، منتهزة فرصة بدء موسم الانتخابات الأمريكية، وأزمة منطقة اليورو التي أخرجت القضية الفلسطينية عن دائرة اهتمام الدول الأوروبية الكبرى، فإذا أضفنا إلى ذلك كله الحالة العراقية في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي وتخوف العديد من المراقبين من مخاطر المرحلة الجديدة لأدركنا على الفور أن هذه القمة ليست كغيرها من القمم السابقة، وهو ما يقتضي من قادة دول المجلس قدرًا كبيرًا من الوعي بأهمية وخطورة هذه المرحلة الدقيقة، وضرورة التعامل معها بأسلوب واقعي يستند إلى آليات عملية وحلول مناسبة. المؤمل من قادة دول المجلس، بما عرف عنهم من تعقل وحكمة وبعد نظرالعمل بكل ما يملكون من جهد وعزم وإرادة على تفعيل المسيرة الخليجية ودعم تطلعات وآمال المواطن الخليجي، لاسيما بعد أن أثبتت تلك المسيرة نجاحها في كافة المراحل التي مرت بها والصعاب التي تخطتها، وحيث يعتبر استمرار التجربة على مدى ثلاثة عقود من التعاون والتنسيق والإنجاز، وتماسكها في تلك المنظومة الفاعلة، وحفاظها على وحدة واستقلال التراب الخليجي رغم الحروب الأربع التي شهدتها المنطقة، وأيضًا على المكتسبات ومناخ التقدم والازدهار في المجتمعات والأسواق الخليجية من أبرز مؤشرات هذا النجاح، وذلك من خلال الالتفاف معًا، والوقوف يدًا وصفًا وموقفًا واحدًا في وجه تلك التحديات والمخاطر والتهديدات، وتعميق مسيرة المجلس الخيرة، وتعزيز معنى المواطنة الخليجية، وتبني استراتجيات جديدة لضمان أمنها واستقلالها واستقرارها. إن حاجة دول المجلس تزداد اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى التماسك لتحقيق الوحدة الخليجية، ضمن خليج واحد بعملة موحدة، وجيش واحد بقيادة عسكرية واحدة، وأن يكون لها أجندتها السياسية والاقتصادية الواحدة، وأن تستفيد في صياغة تلك الأجندة من التجربة الأوروبية تجنبًا للأخطاء وتطويرًا للأداء.