التحول نحو المجتمع المعرفي الذي يعنى بامتلاك أدوات التكنولوجيا والتمكن من مقوماتها وصولا إلى إنتاج وإدارة الثروات وتعظيمها بأيدي أبناء الوطن بدلا من الاكتفاء ببيع المادة الخام ثم إعادة شراء منتجاتها بأضعاف مضاعفة من أيدي صانعيها، توطين المعرفة وإعادة إنتاجها هو ما ينبغي السعي إليه والعمل لبلوغه خلال وقت معقول فتشخيص الخلل ومعرفة الغاية والتخطيط المحكم لتحقيقها أهم مراحل التنمية البشرية والاقتصادية، وبسبب ندرة الموارد فقد عاش مجتمع الجزيرة العربية ولقرون طويلة حياة رتيبة ومارس مهناً بسيطة لا تقوم لها في أسواق اليوم قائمة بل كان أكثر مجتمعنا يأنف عن الحرف اليدوية ويقتصر نشاطه على الرعي والفروسية اللذين أفل نجمهما ببزوغ فجر الحضارة الحديثة، حضارة العلم والمعرفة حيث تتبارى الأمم بقدرتها على الإنتاج والمنافسة في ميادين العلم والاقتصاد فازدهرت بلاد لا تملك من الموارد سوى طاقاتها البشرية الخلاقة وتقهقرت الأخرى حين نضبت مواردها الطبيعية، ولعله لا يخفى على المتابع جهد الدولة الحثيث لتهيئة البيئة المناسبة لتوطين المعرفة وترسيخ ثقافة تقدير الإنجاز واحترام النظام ومفاهيم التخصص والاحتراف المهني لكن بعض موروثاتنا الاجتماعية التي لا تقدر شأن الإنجاز العلمي والعمل الحرفي ما فتئت تثبط الهمم وتشد إلى الوراء فتفت في عضد الشباب الطامح ليفقد جذوة الحماس التي جاء بها من الجامعة أو المعهد فينضم إلى ركب البطالة المقنعة ويكتفي بحضور بعض ساعات العمل أو يتكل على الزملاء الوافدين في إنجاز ما يوكل إليه من العمل، فأجدر بنا إن أردنا الارتقاء بمستوى إنتاجنا وتنافسيتنا وضمان مستقبل أبنائنا في عالم متغير أن نسعى إلى توطين المعرفة وممارسة فنونها عسى أن نصل يوماً إلى إنتاجها وتبادل الجديد منها مع الآخرين على قدم المساواة فلا يقبل من شعب يشكل الشباب قريباً من ثلثيه ألا يصنع مجده الحاضر بأيدي وعقول أبنائه أو أن يبقى مستهلكاً لمنتجات وسلع الآخرين، تلك مهمة منظري الأمة ومخططيها الاستراتيجيين في معرفة ورسم الطريق الآمنة التي ستنقلنا من مجتمع استهلاكي محدود الأفق والطموح إلى آخر متقدم يصدر الخير والمعرفة، ينتج ويدير ثرواته ويجعل من تنوع ثقافاته ومشاربه أسباب قوة ومصادر ثراء ويستمد من تعدد أطيافه وتياراته الفكرية طاقة يعبر بها نحو المستقبل بثقة وطموح، مجتمع يعرف كيف ينظم أنشطته ويقنن علاقاته ويحترم قوانينه. [email protected]